فصل: بَابُ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لاَ يُثْبِتُ بَعْضُهَا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اختلاف الحديث ***


بَابُ خِطْبَةِ الرَّجُلِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏لاَ يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ‏}‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَهُ قَالَ وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏{‏عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلاَقِ زَوْجِهَا فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْت فَأَخْبَرْته أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏:‏ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ فَكَرِهْته، فَقَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ غَيْرُ مُخَالِفٍ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي ‏{‏نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ‏}‏ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِمَّا حَفِظْت جُمْلَةٌ عَامَّةٌ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لاَ يَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ فِي حَالٍ يَخْطُبُ هُوَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَكِنَّ نَهْيَهُ عَنْهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيُّ حَالٍ نَهَى عَنْ الْخِطْبَةِ فِيهَا‏؟‏ قِيلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فَإِنَّ نَهْيَهُ عَنْ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ وَكَانَتْ ثَيِّبًا فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا بِلاَ رِضَاهَا فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا زَوَّجَ قَبْلَ إذْنِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلاً وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ بَعْدَ رِضَاهَا كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَتِلْكَ الْحَالُ الَّتِي إذَا زَوَّجَهَا فِيهَا الْوَلِيُّ ثَبَتَ عَلَيْهَا فِيهَا النِّكَاحُ وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ غَيْرُ هَذَا لِأَنَّهُ لاَ حَالَيْنِ لَهَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا فِي النِّكَاحِ فِيهِمَا غَيْرُهُمَا وَفَاطِمَةُ لَمْ تُعْلِمْ رَسُولَ اللَّهِ إذْنَهَا فِي أَنْ تُزَوَّجَ مُعَاوِيَةَ وَلاَ أَبَا جَهْمٍ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى مُعَاوِيَةَ وَلاَ أَبَا جَهْمٍ أَنْ يَخْطُبَ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَلاَ أَحْسَبُهُمَا خَطَبَاهَا إلَّا مُفْتَرِقَيْنِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِكْرًا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا أَوْ أَمَةً يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا فَخُطِبَتْ فَلاَ نَنْهَى أَحَدًا أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ حَتَّى يَعِدَهُ الْوَلِيُّ أَنْ يُزَوِّجَهُ لِأَنَّ رِضَا الْأَبِ وَالسَّيِّدِ فِيهِمَا كَرِضَاهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، قَالَ‏:‏ فَقَالَ لِي قَائِلٌ إنْ بَعْضَ أَصْحَابِك ذَهَبَ إلَى أَنْ قَالَ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْخِطْبَةِ إذَا رَكَنَتْ الْمَرْأَةُ فَقُلْت هَذَا كَلاَمٌ لاَ مَعْنَى لَهُ أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا إذَا رَكَنَتْ أَشْبَهَ بِالنِّكَاحِ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَرْكَنَ، فَقِيلَ لَهُ أَفَرَأَيْت إنْ خَطَبَهَا رَجُلٌ فَشَتَمَتْهُ وَآذَتْهُ ثُمَّ عَادَ فَتَرَكَتْ شَتْمَهُ وَسَكَتَتْ ثُمَّ عَادَ فَقَالَتْ‏:‏ أَنْظُرُ أَلَيْسَتْ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَقْرَبُ إلَى أَنْ تَكُونَ رَضِيَتْ بِنِكَاحِهِ مِنْهَا فِي الْحَالِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا إذَا تَرَكَتْ الشَّتْمَ فَكَأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الرِّضَا وَإِذَا قَالَتْ‏:‏ أَنْظُرُ فَهِيَ أَقْرَبُ مِنْ الرِّضَا مِنْهَا إذَا تَرَكَتْ الشَّتْمَ وَلَمْ تَقُلْ أَنْظُرُ أَرَأَيْت إنْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ إذَا كَانَ بَعْضُ هَذَا لَمْ يَسْعَ غَيْرَهُ الْخِطْبَةُ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هِيَ رَاكِنٌ وَقَرِيبَةٌ مِنْ الرِّضَا وَمُسْتَدَلٌّ عَلَى هَوَاهَا لاَ يَجُوزُ إنْكَاحُهَا وَإِذَا لَمْ يَجُزْ إنْكَاحُهَا فَلاَ حُكْمَ يُخَالِفُ هَذَا مِنْهَا إلَّا أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِذَا لَمْ تَأْذَنْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَإِنْ زَوَّجَهَا رَدَّ النِّكَاحَ وَهِيَ إذَا أَذِنَتْ بِالنِّكَاحِ فَعَلَى وَلِيِّهَا تَزْوِيجُهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَإِذَا زُوِّجَتْ بَعْدَ الْإِذْنِ جَازَ النِّكَاحُ وَلاَ افْتِرَاقَ لِحَالِهَا أَبَدًا إلَّا الْإِذْنُ وَمَا خَالَفَ مَنْ تَرَكَ الْإِذْنَ وَمَنْ قَالَ إذَا رَكَنَتْ خَالَفَ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا فَلَمْ يَجُزْ الْخِطْبَةُ بِكُلِّ حَالٍ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ وَلَمْ يَرُدَّهَا بِكُلِّ حَالٍ لِجُمْلَةِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَيَأْتِي بِمَعْنًى يُعْرَفُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُ مَنْ زَادَ فِي الْحَدِيثِ ‏{‏حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ‏}‏ لاَ يُحِيلُ مِنْ الْأَحَادِيثِ شَيْئًا وَإِذَا خَطَبَهَا رَجُلٌ فَأَذِنَتْ فِي إنْكَاحِهِ ثُمَّ تَرَكَ نِكَاحَهَا وَأَذِنَ لِخَاطِبِهَا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا وَمَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجُزْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمِنْ أَيْنَ تَرَى هَذَا كَانَ فِي الرِّوَايَةِ هَكَذَا‏؟‏ قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحَدِّثٌ حَضَرَ سَائِلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَذِنَتْ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏{‏لاَ يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ‏}‏ يَعْنِي فِي الْحَالِ الَّتِي سَأَلَ فِيهَا عَلَى جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ فَسَمِعَ هَذَا مِنْ النَّبِيِّ وَلَمْ يَحْكِ مَا قَالَ السَّائِلُ أَوْ سَبَقَتْهُ الْمَسْأَلَةُ وَسَمِعَ جَوَابَ النَّبِيِّ فَاكْتَفَى بِهِ وَأَدَّاهُ وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ‏{‏لاَ يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ‏}‏ إذَا أَذِنَتْ أَوْ كَانَ حَالَ كَذَا فَأَدَّى بَعْضَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُؤَدِّ بَعْضًا أَوْ حَفِظَ بَعْضًا وَأَدَّى مَا يَحْفَظُهُ وَلَمْ يَحْفَظْ بَعْضًا فَأَدَّى مَا أَحَاطَ بِحِفْظِهِ وَلَمْ يَحْفَظْ بَعْضًا فَسَكَتَ عَمَّا لَمْ يَحْفَظْ أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ مَا سَمِعَ فَأَدَّى مَا لَمْ يَشُكَّ فِيهِ وَسَكَتَ عَمَّا شَكَّ فِيهِ مِنْهُ أَوْ يَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ دُونِهِ مِمَّنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْهُ وَقَدْ اعْتَبَرْنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ أَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا الرَّجُلَ يَسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُ حَدِيثٌ فِيهَا فَيَأْتِي مِنْ الْحَدِيثِ بِحَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ يَكُونُ فِيهِمَا عِنْدَهُ جَوَابٌ لِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ وَيَتْرُكُ أَوَّلَ الْحَدِيثِ وَآخِرَهُ فَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ فِي أَوَّلِهِ تَرَكَ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ جَوَابُ السَّائِلِ لَهُ فِي آخِرِهِ تَرَكَ أَوَّلَهُ وَرُبَّمَا نَشِطَ الْمُحَدِّثُ فَأَتَى بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْئًا وَلاَ يَخْلُو مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْمُعَانَى‏.‏

بَابُ الصَّوْمِ لِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ وَالْفِطْرِ لَهُ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ‏}‏ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَصُومُ قَبْلَ الْهِلاَلِ بِيَوْمٍ قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ يَتَقَدَّمُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ عَجِبْت مِمَّنْ يَتَقَدَّمُ الشَّهْرَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏{‏لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ‏}‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏لاَ تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ‏}‏ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏{‏لاَ تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلاً كَانَ يَصُومُ صِيَامًا فَلْيَصُمْهُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَالظَّاهِرُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لاَ يُصَامَ حَتَّى يُرَى الْهِلاَلُ وَلاَ يُفْطَرَ حَتَّى يُرَى الْهِلاَلُ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَقَدْرُهَا يَتِمُّ وَيَنْقُصُ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ أَنْ لاَ يَصُومُوا حَتَّى يَرَوْا الْهِلاَلَ عَلَى مَعْنَى أَنْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلاَلَ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَآهُ غَيْرُكُمْ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمْ صَوْمَهُ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ لِأَنَّ عَلَيْكُمْ إتْمَامَهُ ‏{‏فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ‏}‏ يَعْنِي فِيمَا قَبْلَ الصَّوْمِ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ تَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ عَلَيْكُمْ الصَّوْمَ وَكَذَلِكَ فَاصْنَعُوا فِي عَدَدِ رَمَضَانَ فَتَكُونُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ الْفِطْرُ لِأَنَّكُمْ قَدْ صُمْتُمْ كَمَالَ الشَّهْرِ قَالَ وَابْنُ عُمَرَ سَمِعَ الْحَدِيثَ كَمَا وَصَفْت وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَقَدَّمُ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ قَالَ وَحَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ ‏{‏لاَ تَصُومُوا إلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ‏}‏ يَحْتَمِلُ مَعْنَى مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَوْمِهِ قَبْلَ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ تَصُومُوا عَلَى مَا كُنْتُمْ تَصُومُونَ مُتَطَوِّعِينَ لاَ أَنَّ عَلَيْكُمْ وَاجِبًا أَنْ تَصُومُوا إذَا لَمْ تَرَوْا الْهِلاَلَ‏.‏

قَالَ وَيَحْتَمِلُ خِلاَفَهُ مِنْ أَنْ يَرَى أَنْ لاَ يُوصَلَ رَمَضَانُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ اعْتَادَ صَوْمَهُ مِنْ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ فَوَافَقَ بَعْضُ ذَلِكَ الصَّوْمَ يَوْمًا يَصِلُ شَهْرَ رَمَضَانَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَخْتَارُ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ يَوْمَ الشَّكِّ فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَأَخْتَارُ صِيَامَهُ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ‏.‏

وَلِهَذَا نَظِيرٌ فِي الصَّلاَةِ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي سَاعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ‏.‏

بَابُ نَفْيِ الْوَلَدِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الشَّكُّ مِنْ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏}‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَسَعْدًا اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصَانِي أَخِي إذَا قَدِمْت مَكَّةَ أَنْ أَنْظُرَ إلَى ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ ابْنِي فَقَالَ عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ‏}‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى شَيْخٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ كَانَ يَسْكُنُ دَارَنَا فَذَهَبْت مَعَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ وِلاَدٍ مِنْ وِلاَدِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ أَمَّا الْفِرَاشُ فَلِفُلاَنٍ وَأَمَّا النُّطْفَةُ فَلِفُلاَنٍ فَقَالَ عُمَرُ صَدَقَ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى بِالْفِرَاشِ‏.‏

أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ ‏{‏اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا كَاذِبًا‏}‏ قَالَ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏إنْ جَاءَتْ بِهِ أُمَيْغَرَ سَبِطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ جَعْدًا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ‏}‏ قَالَ فَجَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَفَى الْوَلَدَ عَنْ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِهِ عَنْهُ لَمْ يَأْمُرْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَدَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَحْكَامَ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى سَرَائِرِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ لاَ يَطَّلِعُ عَلَى السَّرَائِرِ غَيْرُهُ، وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ أَنْ يَحْكُمَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ أَبَدًا بِغَيْرِ الظَّاهِرِ وَإِبْطَالُ أَحْكَامِ التَّوَهُّمِ كُلِّهَا مِنْ الذَّرَائِعِ وَمَا يَغْلِبُ عَلَى سَامِعِهِ وَمَا سِوَاهَا وَلِأَنِّي لاَ أَعْلَمُ شَيْئًا بَعْدَ أَمْرِ الْمُنَافِقِ أَبْيَنَ مِنْ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْمُلاَعَنَةِ، وَهِيَ حُبْلَى إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَلاَ أَحْسَبُهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا فَتَأْتِي بِهِ عَلَى مَا وَصَفَ أَنَّهُ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ ثُمَّ لاَ يُحَدُّ الَّذِي يُتَّهَمُ بِهِ وَلاَ هِيَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ إلْحَاقِ النَّبِيِّ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ وَذَلِكَ نَفْيُهُ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ يُخَالِفُ حَدِيثُ نَفْيِ الْوَلَدِ عَمَّنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ ‏{‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏}‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَعَمُّهُمَا وَأَوْلاَهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ مَا لَمْ يَنْفِهِ رَبُّ الْفِرَاشِ بِاللِّعَانِ الَّذِي نَفَاهُ بِهِ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا نَفَاهُ بِاللِّعَانِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ وَغَيْرُ لاَحِقٍ بِمَنْ ادَّعَاهُ بِزِنًا وَإِنْ أَشْبَهَهُ كَمَا لَمْ يُلْحِقْ النَّبِيُّ الْمَوْلُودَ الَّذِي نَفَاهُ زَوْجُ الْمَرْأَةِ بِاللِّعَانِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَعَرَّفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَبَهَهُ بِهِ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى غَيْرِ فِرَاشٍ وَتَرَكَ النَّبِيُّ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ ‏{‏وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏}‏ فَجَعَلَ وَلَدَ الْعَاهِرِ لاَ يَلْحَقُ كَانَ الْعَاهِرُ لَهُ مُدَّعِيًا أَوْ غَيْرَ مُدَّعٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمَعْنَى الثَّانِي إذَا تَنَازَعَ الْوَلَدَ رَبُّ الْفِرَاشِ وَالْعَاهِرُ فَالْوَلَدُ لِرَبِّ الْفِرَاشِ وَإِنْ نَفَى الرَّجُلُ الْوَلَدَ بِلِعَانٍ فَهُوَ مَنْفِيٌّ وَإِذَا حَدَثَ إقْرَارٌ بَعْدَ اللِّعَانِ فَالْوَلَدُ لاَحِقٌ لَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نَفَى بِهِ عَنْهُ بِالْتِعَانِهِ وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِكَذِبِهِ بِالِالْتِعَانِ كَانَ ‏{‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ‏}‏ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ مَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِاللِّعَانِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِكُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ مَرَّةً يُلْزِمُهُ وَلاَ يُخْرِجُهُ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ أَنْفِي الْوَلَدَ بِاللِّعَانِ وَأَجْعَلُ الْوَلَدَ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ ‏{‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ عَنْ رَبِّ الْفِرَاشِ حَدِيثٌ يُخَالِفُ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ قَالَ، وَحَدِيثُ ‏{‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ‏}‏ ثَابِتٌ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ نَفْيِ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ وَالْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ نَفَى الْوَلَدَ عَنْ الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ أَوْضَحُ مَعْنًى وَأَحْرَى أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَدِيثِ ‏{‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ‏}‏ لِأَنَّهُ إذَا نَصَّ الْحَدِيثَ فِي الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ فَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا وَلَدًا أَحَدُهُمَا يَدَّعِيهِ لِرَبِّ أَمَةِ الْوَاطِئِ لَهَا بِالْمِلْكِ‏.‏ وَالْآخَرُ يَدَّعِيهِ لِرَجُلٍ وَطِئَ تِلْكَ الْأَمَةَ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَلاَ نِكَاحٍ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَسَبِهِ لِمَالِكِ الْأَمَةِ‏.‏

أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ إذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا فَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا أَلْحَقَهُ بِالْفِرَاشِ بِالدَّعْوَى لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا فَوَلَدٌ مَوْلُودٌ عَلَى فِرَاشِ رَجُلٍ لَمْ أَلْحَقَهُ بِهِ إلَّا بِدَعْوَى يُحْدِثُهَا لَهُ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ مَعْقُولاً فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ بِالْحَلاَلِ وَلاَ يَثْبُتُ بِالْحَرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ بِدَعْوَةِ رَبِّ الْفِرَاشِ وَأَنْ يَكُونَ يَدَّعِيهِ لَهُ مَنْ تَجُوزُ دَعْوَتُهُ عَلَيْهِ فَحَدِيثُ إلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالْمَرْأَةِ بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ لاَ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَفْسِيرٍ مِنْ غَيْرِهِ فَلاَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً وَلَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً عَمَدَ إلَى سُنَّةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ فَخَالَفَهَا أَوْ إلَى أَمْرٍ عُرِفَ عَوَامُّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَعْلَمْ لَهُمْ فِيهِ مِنْهُمْ مُخَالِفًا فَعَارَضَهُ أَيَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ بِخِلاَفِهِ أَمْ يَكُونُ بِهَا جَاهِلاً يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ‏؟‏ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ هَذَا لِأَحَدٍ كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ كُلَّ حُكْمٍ بِغَيْرِ سُنَّةٍ وَبِغَيْرِ اخْتِلاَفٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏؟‏ فَمَنْ صَارَ إلَى مِثْلِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ لاَ يُنْفَى الْوَلَدُ بِلِعَانٍ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ‏.‏

ثُمَّ مَا أَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ثُمَّ مِنْ أَعْجَبِ أَمْرِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يَدَّعِي الْقَوْلَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِبْطَالِ غَيْرِهِ فَمَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ رَجُلاً لاَ يَعْرِفُ إجْمَاعًا وَلاَ افْتِرَاقًا فِي هَذَا أَوْ يَكُونَ رَجُلاً لاَ يُبَالِي مَا قَالَ‏.‏

بَابٌ فِي طَلاَقِ الثَّلاَثِ الْمَجْمُوعَةِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ ‏{‏أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا كَانَتْ الثَّلاَثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ تُجْعَلُ وَاحِدَةً‏}‏ وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلاَثٍ مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ نَعَمْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ تَأْخُذُ ثَلاَثًا وَتَدَعُ تِسْعَمِائَةٍ وَسَبْعًا وَتِسْعِينَ‏.‏

أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةً فَقَالَ تَأْخُذُ ثَلاَثًا وَتَدَعُ سَبْعًا وَتِسْعِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الثَّلاَثَ كَانَتْ تُحْسَبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَاحِدَةً يَعْنِي أَنَّهُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ فَاَلَّذِي يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ عَلِمَ إنْ كَانَ شَيْئًا فَنُسِخَ فَإِنْ قِيلَ فَمَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْئًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَعْلَمْهُ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ فِيهِ خِلاَفُهُ فَإِنْ قِيلَ فَلَعَلَّ هَذَا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِ عُمَرَ قِيلَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُخَالِفُ عُمَرَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ وَفِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ يُوَافِقُهُ فِي شَيْءٍ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ فِيهِ خِلاَفَهُ‏؟‏ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهُ‏؟‏ قِيلَ وَقَدْ يَسْأَلُ الرَّجُلُ عَنْ الشَّيْءِ فَيُجِيبُ فِيهِ وَلاَ يَتَقَصَّى فِيهِ الْجَوَابَ وَيَأْتِي عَلَى الشَّيْءِ وَيَكُونُ جَائِزًا لَهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ لَوْ قِيلَ أَصَلَّى النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏؟‏ أَنْ يَقُولَ‏:‏ نَعَمْ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ثُمَّ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ قَالَ‏:‏ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ذُكِرَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ قِيلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجَوَابُهُ حِينَ اسْتَفْتَى يُخَالِفُ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْت فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فِي تَرْكِ أَنْ تُحْسَبَ الثَّلاَثُ وَاحِدَةً فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَمْرٍ أَبْيَنَ مِمَّا ذَكَرْت‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَدَ رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ لَهُ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا ارْتَجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَاَللَّهِ لاَ آوِيكَ إلَيَّ وَلاَ تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلاَقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمِئِذٍ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَلَّقَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ هَذَا فَلَعَلَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَجَابَ عَلَى أَنَّ الثَّلاَثَ وَالْوَاحِدَةَ سَوَاءٌ وَإِذَا جَعَلَ اللَّهُ عَدَدَ الطَّلاَقِ عَلَى الزَّوْجِ وَأَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ فَسَوَاءٌ الثَّلاَثُ وَالْوَاحِدَةُ وَأَكْثَرُ مِنْ الثَّلاَثِ فِي أَنْ يَقْضِيَ بِطَلاَقِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَحَكَمَ اللَّهُ فِي الطَّلاَقِ أَنَّهُ مَرَّتَانِ ‏{‏فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا‏}‏ يَعْنِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الثَّلاَثَ ‏{‏فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ فَدَلَّ حُكْمُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحَرَّمُ بَعْدَ الطَّلاَقِ ثَلاَثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَجَعَلَ حُكْمَهُ بِأَنَّ الطَّلاَقَ إلَى الْأَزْوَاجِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا حَدَثَ تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ بِطَلاَقِ ثَلاَثٍ وَجَعَلَ الطَّلاَقَ إلَى زَوْجِهَا فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بَعْدَهُنَّ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ كَمَا كَانُوا مُمَلَّكِينَ عِتْقَ رَقِيقِهِمْ فَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدًا أَوْ مِائَةً فِي كَلِمَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ كُلُّهَا جَمَعَ الْكَلاَمَ فِيهِ أَوْ فَرَّقَهُ مِثْلُ قَوْلِهِ لِنِسْوَةٍ لَهُ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ وَوَاللَّهِ لاَ أَقْرَبُكُنَّ وَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَقَوْلِهِ لِفُلاَنٍ عَلَيَّ كَذَا وَلِفُلاَنٍ عَلَيَّ كَذَا وَلِفُلاَنٍ عَلَيَّ كَذَا فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِجَمْعِ الْكَلاَمِ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي جَمِيعُهُ كَلاَمٌ فَيَلْزَمُهُ بِجَمْعِ الْكَلاَمِ مَا يَلْزَمُهُ بِتَفْرِيقِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ سُنَّةٍ تَدُلُّ عَلَى هَذَا‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ‏:‏ ‏{‏جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَتْ‏:‏ إنِّي كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي فَتَزَوَّجْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ‏؟‏ لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَنَادَى يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ تَسْمَعُ مَا تَجْهَرُ بِهِ هَذِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏}‏‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رِفَاعَةُ بَتَّ طَلاَقَهَا فِي مَرَّاتٍ قُلْت ظَاهِرُهُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَبَتَّ إنَّمَا هِيَ ثَلاَثٌ إذَا احْتَمَلَتْ ثَلاَثًا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏{‏أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ‏؟‏ لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ‏}‏ وَلَوْ كَانَتْ عَائِشَةُ حَسَبَتْ طَلاَقَهَا بِوَاحِدَةٍ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى رِفَاعَةَ بِلاَ زَوْجٍ فَإِنْ قِيلَ أَطَلَّقَ أَحَدٌ ثَلاَثًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ ‏{‏عُوَيْمِرٌ الْعَجْلاَنِيُّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ النَّبِيُّ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِاللِّعَانِ فَلَمْ أَعْلَمْ النَّبِيَّ نَهَاهُ‏}‏ ‏{‏وَفَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ تَحْكِي لِلنَّبِيِّ أَنَّ زَوْجَهَا بَتَّ طَلاَقَهَا تَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَقَالَ النَّبِيُّ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ‏}‏ لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ أَعْلَمْهُ عَابَ طَلاَقَ ثَلاَثٍ مَعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا كَانَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي رِفَاعَةَ مُوَافِقًا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَكَانَ ثَابِتًا كَانَ أَوْلَى الْحَدِيثَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ فِيهِ جِدًّا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَهُ مُخَالِفًا كَانَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ يَكُونُ نَاسِخًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ فِيهِ جِدًّا‏.‏

بَابُ طَلاَقِ الْحَائِضِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَيْمَنَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ فَقَالَ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا‏؟‏ فَقَالَ ‏{‏طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ لِيَرْتَجِعْهَا فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا، فَقَالَ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ يُمْسِكْ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ ‏{‏عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا إلَى نَافِعٍ يَسْأَلُونَهُ هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَ عُمَرَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ‏}‏ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقَالُ لَهُ رَاجِعِ إلَّا مَا قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلاَقُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ فِي الْمُطَلَّقَاتِ ‏{‏وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا فِي ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ وَإِنَّ مَعْرُوفًا فِي اللِّسَانِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ رَاجِعِ امْرَأَتَك إذَا افْتَرَقَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ شَبِيهٌ بِهِ وَنَافِعٌ أَثْبَتُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَالْأَثْبَتُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ إذَا خَالَفَهُ وَقَدْ وَافَقَ نَافِعًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّثْبِيتِ فِي الْحَدِيثِ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَحَسِبْت تَطْلِيقَةَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ تَطْلِيقَةً‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ فَمَهْ أَوْ إنْ عَجَزَ يَعْنِي أَنَّهَا حُسِبَتْ قَالَ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُحْسَبُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ لَمْ يَخُصَّ طَلاَقًا دُونَ طَلاَقٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا وَافَقَ ظَاهِرَ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْحَدِيثِ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ مَعَ أَنَّ اللَّهَ إذَا مَلَّكَ الْأَزْوَاجَ الطَّلاَقَ وَجَعَلَهُ إحْدَاثَ تَحْرِيمِ الْأَزْوَاجِ بَعْدَ أَنْ كُنَّ حَلاَلاً وَأُمِرُوا أَنْ يُطَلِّقُوهُنَّ فِي الطُّهْرِ فَطَلَّقَ رَجُلٌ فِي خِلاَفِ الطُّهْرِ لَمْ تَكُنْ الْمَعْصِيَةُ إنْ كَانَ عَالِمًا تَطْرَحُ عَنْهُ التَّحْرِيمَ ثُمَّ إذَا حُرِّمَتْ بِالطَّلاَقِ، وَهُوَ مُطِيعٌ فِي وَقْتِهِ كَانَتْ حَرَامًا بِالطَّلاَقِ إذَا كَانَ عَاصِيًا فِي تَرْكِهِ الطَّلاَقَ فِي الطُّهْرِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لاَ تَزِيدُ الزَّوْجَ خَيْرًا إنْ لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَهَلْ لِقَوْلِهِ فَلَمْ تُحْسَبْ شَيْئًا وَجْهٌ‏؟‏ قِيلَ لَهُ الظَّاهِرُ فَلَمْ تُحْسَبْ تَطْلِيقَةً وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَمْ تُحْسَبْ شَيْئًا صَوَابًا غَيْرَ خَطَأٍ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ أَنْ لاَ يُقِيمَ عَلَيْهِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَلاَ يُؤْمَرُ بِهَا الَّذِي طَلَّقَ طَاهِرًا امْرَأَتَهُ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَخْطَأَ فِي جَوَابٍ أَجَابَ بِهِ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا صَوَابًا‏.‏

بَابُ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ مِنْ الطَّعَامِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ‏؟‏ قَالَ لَهُ سَعْدٌ‏:‏ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ‏؟‏ فَقَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ‏:‏ ‏{‏سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏:‏ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏{‏نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ‏}‏ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِكَيْلِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ‏}‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يُخَالِفُ صَاحِبَهُ إنَّمَا النَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ كُلُّ بَيْعٍ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّعَامِ بِيعَ مِنْهُ كَيْلٌ مَعْلُومٌ بِجُزَافٍ وَكَذَلِكَ جُزَافٌ بِجُزَافٍ لِأَنَّ بَيِّنًا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِنْ صِنْفِهِ مَعْلُومًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مِثْلاً بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَالْجُزَافُ بِالْكَيْلِ وَالْجُزَافُ بِالْجُزَافِ مَجْهُولٌ وَأَصْلُ نَهْيِ النَّبِيِّ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ فِي مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ إذَا كَانَ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ فَهُوَ تَمْرٌ بِتَمْرٍ أَقَلَّ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَصْلُحُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَتَمْرٌ بِتَمْرٍ لاَ يُدْرَى كَمْ مَكِيلَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ الرُّطَبِ إذَا يَبِسَ فَصَارَ تَمْرًا لَمْ يُعْلَمْ كَمْ قَدْرُهُ مِنْ قَدْرِ التَّمْرِ، وَهَكَذَا قُلْنَا لاَ يَصْلُحُ كُلُّ رُطَبٍ بِيَابِسٍ فِي حَالٍ مِنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَلاَ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ وَنَظَرَ فِي الْمُتَعَقِّبِ مِنْ الرُّطَبِ وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّ نَقْصَهُمَا يَخْتَلِفُ لاَ يُدْرَى كَمْ نَقَصَ هَذَا وَنَقَصَ هَذَا فَيَصِيرُ مَجْهُولاً بِمَجْهُولٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ نَفْسِ خِلْقَتِهِ أَوْ رُطَبًا بَلْ بِغَيْرِ مَبْلُولٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْعِ الْعَرَايَا وَهِيَ رُطَبٌ بِتَمْرٍ كَانَ نَهْيُهُ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُزَابَنَةُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْجُمَلِ الَّتِي مَخْرَجُهَا عَامٌّ وَهِيَ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ وَالنَّهْيُ عَامٌّ عَلَى مَا عَدَا الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا مِمَّا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَهْيِهِ لِأَنَّهُ لاَ يَنْهَى عَنْ أَمْرٍ يَأْمُرُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا وَلاَ نَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْسُوخًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعَرَايَا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلَةِ وَأَكْثَرَ بِخَرْصِهِ مِنْ التَّمْرِ بِخَرْصِ الرُّطَبِ رُطَبًا ثُمَّ يُقَدِّرُ كَمْ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ ثُمَّ يَشْتَرِي بِخَرْصِهِ تَمْرًا يَقْبِضُ التَّمْرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ كَمَا يَفْسُدُ فِي الصَّرْفِ وَلاَ يَشْتَرِي رَجُلٌ مِنْ الْعَرَايَا إلَّا مَا كَانَ خَرْصُهُ تَمْرًا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ جَازَ فِيهِ الْبَيْعُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلاَ يَجُوزُ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا قِيلَ يَجُوزُ بِمَا أَجَازَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَعَهُ إلَّا بِاتِّبَاعِهِ وَيَرُدُّ بِمَا رَدَّهُ بِهِ خطأ‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ‏}‏ الشَّكُّ مِنْ دَاوُد قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي تَوْقِيتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إجَازَتُهُ بِمَكِيلَةٍ مِنْ الْعَرَايَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَهُوَ مَمْنُوعٌ بَيْعُهُ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ وَأُدْخِلُهُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُزَابَنَةِ لَكَانَ مَذْهَبًا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلاَ تَكُونُ الْعَرَايَا إلَّا مِنْ نَخْلٍ أَوْ عِنَبٍ لاَ يُخْرَصُ غَيْرُهُمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ بِتَمْرٍ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ كَيْلاً بِكَيْلٍ وَلاَ يَجُوزُ وَزْنًا بِوَزْنٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ‏.‏

بَابُ الْخِلاَفِ فِي الْعَرَايَا

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَجِدْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْقَوْلَ بِالْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ مِنْ الشَّبَهِ مَا وَجَدُوا فِي الْمُجْمَلِ مَعَ الْمُفَسَّرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ بِهِمَا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُمْ بَصَرٌ بِمَذَاهِبِهِ فَيُشْبِهُونَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْدُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْمُجْمَلِ مَعَ الْمُفَسَّرِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ حَلاَلٌ فَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَوَافَقَنَا وَقَالَ لاَ يَجُوزُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ عَادَ صَاحِبُهُ الَّذِي خَالَفَهُ فَقَالَ لاَ بَأْسَ بِحِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ وَإِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ ابْتِلاَلاً مِنْ الْأُخْرَى وَلاَ رُطَبٍ بِرُطَبٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ أَظْهَرَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ جُمْلَةً ثُمَّ خَالَفَ مَعْنَاهُ فِيمَا وَصَفْت وَقَالَ وَلاَ بَأْسَ بِتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ وَثَلاَثٍ بِأَرْبَعٍ لِأَنَّ هَذَا لاَ يُكَالُ فَقِيلَ لَهُ إذَا كَانَ التَّمْرُ مُحَرَّمًا إلَّا كَيْلاً بِكَيْلٍ فَكَيْفَ أَجَزْت مِنْهُ قَلِيلاً بِأَكْثَرَ فَإِنْ قَالَ لاَ يُكَالُ فَهَكَذَا كُلُّ التَّمْرِ إذَا فُرِّقَ قَلِيلاً وَإِنَّمَا تُجْمَعُ تَمْرَةٌ إلَى أُخْرَى فَتُكَالُ وَفِي نَهْيِ النَّبِيِّ ‏{‏إلَّا كَيْلاً بِكَيْلٍ‏}‏ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَدَدًا بِعَدَدٍ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَر مِنْهُ فَقَدْ أَجَزْته مُتَفَاضِلاً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْهُ إلَّا مُسْتَوِيًا بِالْكَيْلِ قَالَ الرَّبِيعُ قَالَ يَعْنِي الشَّافِعِيُّ وَخَالَفُونَا مَعًا فِي الْعَرَايَا فَقَالُوا لاَ نُجِيزُ بَيْعَهَا وَقَالُوا نَرُدُّ إجَازَةَ بَيْعِهَا بِنَهْيِ النَّبِيِّ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَنَهْيِهِ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْهُ فَإِنْ أَجَازَ إنْسَانٌ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بِالْعَرَايَا لِأَنَّ النَّبِيَّ قَدْ أَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا كَهِيَ عَلَيْكُمْ فِي أَنْ يُطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ فَنُحِلُّ مَا أَحَلَّ وَنُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ أَرَأَيْت لَوْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِثْلَ هَذَا قَالَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ إنَّ النَّبِيَّ قَالَ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ‏}‏ وَتَقُولُونَ فِي الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ يُعْطِيَ إلَّا بَيِّنَةً وَمَنْ حَلَفَ بَرِئَ لِمَ تَقُولُونَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي مَحَلَّةٍ يَحْلِفُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَيَغْرَمُونَ الدِّيَةَ فَتُغَرِّمُونَ مَنْ حَلَفَ وَتُعْطُونَ مَنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَفَخَالَفْتُمْ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ‏}‏ قَالُوا لاَ وَلَكِنَّهُ جُمْلَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْخَاصُّ وَلَمَّا وَجَدْنَا عُمَرَ يَقْضِي فِي الْقَسَامَةِ فَيُعْطِي بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَحْلِفُ وَيَغْرَمُ قُلْنَا جُمْلَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ لِأَنَّ عُمَرَ لاَ يَجْهَلُ قَوْلَ النَّبِيِّ وَلاَ يُخَالِفُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقِيلَ لَهُ أَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ أَدَلُّ عَلَى قَوْلِهِ أَمْ قَوْلُ غَيْرِهِ قَالَ لاَ بَلْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ أَدَلُّ عَلَى قَوْلِهِ قُلْت وَهُوَ الَّذِي زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ لِأَنَّهُ لاَ يُسْتَدَلُّ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ غَيْرِهِ إلَّا بِقَوْلِ نَفْسِ الْقَائِلِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَدْ يَخْفَى عَلَيْنَا قَوْلُهُ قَالَ وَكَيْفَ تَقُولُ قُلْت أُحِلُّ مَا أُحِلَّ مِنْ بَيْعِ الْعَرَايَا وَأُحَرِّمُ مَا حُرِّمَ مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ سِوَى الْعَرَايَا وَأَزْعُمُ أَنْ لَمْ يُرِدْ بِمَا حَرَّمَ مَا أُحِلَّ وَلاَ بِمَا أَحَلَّ مَا حُرِّمَ فَأُطِيعُهُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَمَا عَلِمْتُك إلَّا عَطَّلْت نَصَّ قَوْلِهِ فِي الْعَرَايَا وَعَامَّةُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ النَّهْيُ فِي الْمُزَابَنَةِ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا فَلَمْ يَكُنْ لِلتَّوَهُّمِ هَهُنَا مَوْضِعٌ فَنَقُولُ الْحَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَقَدْ خَالَفَهُ فِي فُرُوعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ وَوَافَقَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي جُمْلَةِ قَوْلِنَا فِي بَيْعِ الْعَرَايَا ثُمَّ عَادَ فَقَالَ لاَ تُبَاعُ إلَّا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي أَعْرَاهَا إذَا تَأَذَّى بِدُخُولِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ بِتَمْرٍ إلَى الْجَذَاذِ قَالَ فَمَا عَلِمْته أَحَلَّهَا فَيُحِلُّهَا لِكُلِّ مُشْتَرٍ وَلاَ حَرَّمَهَا فَيَقُولُ قَوْلَ مَنْ حَرَّمَهَا وَزَادَ فَقَالَ تُبَاعُ بِتَمْرٍ نَسِيئَةً وَالنَّسِيئَةُ عِنْدَهُ فِي الطَّعَامِ حَرَامٌ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ النَّبِيِّ وَلاَ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَجَازَ أَنْ تُبَاعَ بِدَيْنٍ فَكَيْفَ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ الدَّيْنَ فِي الطَّعَامِ بِلاَ خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنْ يُحِلَّ بَيْعًا مِنْ إنْسَانٍ يُحَرِّمُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَشَرِكَهُمْ صَاحِبُنَا فِي رَدِّ بَيْعِ الْعَرَايَا فِي حَالٍ وَزَادَ عَلَيْهِمْ إذْ أَحَلَّهَا إلَى الْجُذَاذَ فَجَعَلَ طَعَامًا بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ وَإِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْجُذَاذَ مَجْهُولٌ وَالْآجَالُ لاَ تَجُوزُ إلَّا مَعْلُومَةً قَالَ وَالْعَرَايَا الَّتِي أَرْخَصَ رَسُولُ اللَّهِ فِيهَا فِيمَا دُوِّنَ ذَكَرَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ قَالَ سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقُلْت مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُحِلُّونَهَا فَقَالَ ‏{‏فُلاَنٌ وَأَصْحَابُهُ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ الرُّطَبَ يَحْضُرُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ذَهَبٌ وَلاَ وَرِقٌ يَشْتَرُونَ بِهَا وَعِنْدَهُمْ فَضْلُ تَمْرٍ مِنْ قُوتِ سَنَتِهِمْ فَأَرْخَصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَشْتَرُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا‏}‏‏.‏

بَابُ بَيْعِ الطَّعَامِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ‏}‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ‏}‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَّا ‏{‏الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُسْتَوْفَى‏}‏ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلاَ أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ‏}‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ ‏{‏عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ نَهَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفًا وَلَكِنَّ بَعْضَهَا مِنْ الْجُمَلِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمُفَسَّرِ وَبَعْضَهَا أَدَّى فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَدَّى فِي بَعْضِهِ قَالَ فَسَأَلَنِي مُقَدَّمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ يُكْثِرُ خِلاَفَنَا وَيُدْخِلُ الْمُجْمَلَ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَالْمُفَسَّرَ عَلَى الْمُجْمَلِ فَقَالَ أَرَأَيْت هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَمُخْتَلِفَةٌ هِيَ‏؟‏ قُلْت مَا يُخَالِفُ مِنْهَا وَاحِدٌ وَاحِدًا قَالَ فَأَبِنْ لِي مِنْ أَيْنَ اتَّفَقَتْ وَلَمْ تَخْتَلِفْ قُلْت أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَيَقُولُ إنْ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ‏}‏ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ لِمُبْتَاعٍ طَعَامًا بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَضْمُونٌ بِالْبَيْعِ عَلَى الْبَائِعِ فَلاَ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ غَيْرِهِ بِالْبَيْعِ وَيَأْخُذُ هُوَ ثَمَنَهُ وَرِبْحَهُ وَهُوَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ أَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالِهِ وَكَانَ كَمَنْ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا وَفِيهِ دَلاَلَةٌ إذْ قَالَ أَمَّا ‏{‏الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ فَالطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُعْلَمَ‏}‏ يَعْنِي حَتَّى يُكَالَ وَإِذَا اكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَوْضَحَ مَعْنًى مِنْهُ فَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَنْ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ لاَ يَمْلِكُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَدِيثُ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ‏}‏ وَهَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْمَرْءِ وَلَكِنَّهُ بَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى بَائِعِهَا وَإِذَا أَتَى بِهَا الْبَائِعُ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ وَلَيْسَتْ بَيْعَ عَيْنٍ بِيعَ الْعَيْنُ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُبْتَاعِ انْتَقَضَ فِيهَا الْبَيْعُ وَلاَ يَكُونُ بَيْعُ الْعَيْنِ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ فَيَأْتِي بِمِثْلِهِ إذَا هَلَكَتْ‏.‏ فَقَالَ كُلُّ مَا قُلْت كَمَا قُلْت وَبِهِ أَقُولُ‏.‏ فَقُلْت لَهُ وَلاَ تَجْعَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَبَدًا إذَا وُجِدَ السَّبِيلُ إلَى أَنْ يَكُونَا مُسْتَعْمَلَيْنِ فَلاَ نُعَطِّلُ مِنْهُمَا وَاحِدًا لِأَنَّ عَلَيْنَا فِي كُلِّ مَا عَلَيْنَا فِي صَاحِبِهِ وَلاَ نَجْعَلُ الْمُخْتَلِفَ إلَّا فِيمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ أَبَدًا إلَّا بِطَرْحِ صَاحِبِهِ قَالَ‏:‏ فَقُلْت لَهُ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إلَى أَنْ يَجْعَلَهَا مُخْتَلِفَةً فَيَقُولُ حَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ قُدُومَ النَّبِيِّ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُسَلِّفُوا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَهَذَا أَوَّلُ مَقْدِمِهِ ثُمَّ حَكَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَإِنَّمَا صَحِبَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَاهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَالسَّلَفُ فِي صِفَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَلاَ يَحِلُّ السَّلَفُ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ السَّلَفُ صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ غَيْرَ بَيْعِ الْعَيْنِ وَنَسْتَعْمِلُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا وَنَجِدُ عَوَامَّ الْمُفْتِينَ يَسْتَعْمِلُونَهُمَا وَفِي اسْتِعْمَالِ عَوَامِّ الْمُفْتِينَ إيَّاهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ تَلْزَمُهُمْ بِأَنْ يَسْتَعْمِلُوا كُلَّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا وَلاَ يَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى اسْتِعْمَالِ هَذَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ مَعَ مَنْ اسْتَعْمَلَهُمَا دُونَ مَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُمَا قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ فَقُلْت لَهُ هَكَذَا الْحُجَّةُ عَلَيْك فِي كُلِّ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ مِنْ أَنْ تَجْعَلَ الْمُفَسَّرَ مَرَّةً حُجَّةً عَلَى الْمُجْمَلِ وَالْمُجْمَلَ حُجَّةً عَلَى الْمُفَسَّرِ فِي الْقَسَامَةِ وَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَبَيْعُ الْعَرَايَا وَالْمُزَابَنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَثُرَ مِمَّا أَسْمَعُك تَذْهَبُ فِيهِ إلَى الطَّرِيقِ الَّتِي أَرَى أَنْ تَقْلِبَهَا عَنْ طَرِيقِ النَّصِّ بِأَنَّهَا تُضَادُّ انْتِشَارَ الْخِلاَفِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَكِنَّك تَذْهَبُ فِيهَا إلَى الِاسْتِتَارِ مِنْ كَثْرَةِ خِلاَفِ الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ لَعَلَّهُ لاَ يُبْصِرُ فِي أَنْ قَالَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعِيبُ عَلَيْك خِلاَفَ الْحَدِيثِ‏.‏

بَابُ الْمُصَرَّاةِ ‏(‏الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ‏)‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خَفَّافٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ‏}‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَحْسِبُ بَلْ لاَ أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ مُسْلِمًا نَصَّ الْحَدِيثَ فَذَكَرَ ‏{‏أَنَّ رَجُلاً ابْتَاعَ عَبْدًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَقَضَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِرَدِّهِ بِالْعَيْبِ، فَقَالَ الْمُقْضَى عَلَيْهِ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏:‏ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏{‏لاَ تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏}‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ ‏{‏رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لاَ سَمْرَاءَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَحَدِيثُ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَحَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ وَاحِدٌ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَعْنَاهُمَا وَفِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ شَيْءٌ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ مُبْتَاعَ الشَّاةِ أَوْ النَّاقَةِ الْمُصَرَّاةِ مُبْتَاعٌ لِشَاةٍ أَوْ نَاقَةٍ فِيهَا لَبَنٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ غَيْرُهُمَا كَالثَّمَرِ فِي النَّخْلَةِ الَّذِي إذَا شَاءَ قَطَعَهُ وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ إذَا شَاءَ حَلَبَهُ وَاللَّبَنُ مَبِيعٌ مَعَ الشَّاةِ وَهُوَ سِوَاهَا وَكَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَإِذَا حَلَبَهُ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ كَانَ قِيمَتَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةُ الْكَثْرَةِ وَالْأَثْمَانِ وَأَنَّ أَلْبَانَ كُلِّ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةٌ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا‏.‏

قَالَ فَإِنْ رَضِيَ الَّذِي ابْتَاعَ الْمُصَرَّاةَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ ثُمَّ حَلَبَهَا زَمَانًا ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ فَإِنْ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ رَدَّهَا وَلاَ يَرُدُّ اللَّبَنَ الَّذِي حَلَبَهُ بَعْدَ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا كَانَ حَادِثًا فِي مِلْكِ الْمُبْتَاعِ كَمَا حَدَثَ الْخَرَاجُ فِي مِلْكِهِ وَيَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ فَقَطْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا ابْتَاعَ الْعَبْدَ فَإِنَّمَا ابْتَاعَهُ بِعَيْنِهِ وَمَا حَدَثَ لَهُ فِي يَدِهِ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ مَالٍ أَفَادَهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِهِ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَهُوَ كَلَبَنِ الشَّاةِ الْحَادِثِ بَعْدَ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ فِي مِلْكِ مُشْتَرِيهَا لاَ يَخْتَلِفُ وَكَذَلِكَ نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ يَشْتَرِيهَا فَتُنْتِجُ ثُمَّ يَظْهَرُ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ فَيَرُدُّهَا دُونَ النِّتَاجِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ لَهَا أَصْوَافًا أَوْ شُعُورًا أَوْ أَوْبَارًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ لِلْحَائِطِ ثَمَرًا إذَا كَانَتْ يَوْمَ يَرُدُّهَا بِحَالِهَا يَوْمَ أَخْذِهَا أَوْ أَفْضَلَ وَهَكَذَا وَطْءُ الْأَمَةِ الثَّيِّبِ قَدْ دُلِّسَ لَهُ فِيهَا بِعَيْبٍ يَرُدُّهَا وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَطْءِ وَالْخَرَاجُ وَالْخِدْمَةُ لَيْسَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت مِنْ وَطْءِ ثَيِّبٍ لاَ يُنْقِصُهَا الْوَطْءُ وَأَخْذُ ثَمَرَةٍ وَلَبَنٍ وَنِتَاجٍ إذَا لَمْ يَنْقُصْ الشَّجَرُ وَالْأُمَّهَاتُ وَكَذَلِكَ كِرَاءُ الدَّارِ يَبْتَاعُهَا فَيَسْتَغِلُّهَا ثُمَّ يَظْهَرُ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ يَكُونُ لَهُ الْكِرَاءُ بِالضَّمَانِ وَالضَّمَانُ الَّذِي يَكُونُ لَهُ بِهِ الْكِرَاءُ ضَمَانٌ يَحِلُّ لَهُ بِالْبَيْعِ بِكُلِّ حَالٍ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ دُلِّسَ لَهُ فِيهِ بِعَيْبٍ مِمَّا وَصَفْت أَنْ يُمْسِكَهُ بِعَيْبِهِ وَيَمُوتَ وَيَهْلَكَ فَيَهْلَكُ مِنْ مَالِهِ وَيُعْتِقُ الْمَمَالِيكَ فَيَقَعُ عَلَيْهِمْ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ تَامُّ الْمِلْكِ جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خِيَارًا فِيمَا دُلِّسَ لَهُ بِهِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِذَا جَعَلَ لَهُ إنْ شَاءَ رَدَّهُ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهُ فَقَدْ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ فِي الشَّاةِ الْمُصَرَّاةِ، فَقَالَ ‏{‏إنْ رَضِيَهَا فَأَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏}‏ مَعَ إبَانَتِهِ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَّا مَا ضَمِنَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِ مِلْكٍ صَحِيحٍ فَلاَ يَكُونُ لَهُ خَرَاجُهُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ مَنْفَعَةُ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ حَبْسُهُ وَكَيْفَ يَجُوزُ إذَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَنْفَعَةَ مِنْ الْمَمْلُوكِ لِلَّذِي يَحِلُّ لَهُ مَلَكَهُ الْمَالِكُ الْمُدَلِّسُ أَنْ يُحِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُجْعَلَ لِغَيْرِ مَالِكٍ وَلِمَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ حَبْسُ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ فَيَكُونُ قَدْ أُحِيلَ إلَى ضِدِّهِ وَخُولِفَ فِيهِ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

بَابُ الْخِلاَفِ فِي الْمُصَرَّاةِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْمُصَرَّاةِ فَقَالَ‏:‏ الْحَدِيثُ فِيهَا ثَابِتٌ وَلَكِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ تَرَكُوهُ فَقُلْت لَهُ أَفَتَحْكِي لِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ تَرَكَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَأَنْتَ تَحْكِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا مِثْلَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ وَقُلْت لَهُ أَوْ تَحْكِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ تَرَكَهُ‏؟‏ فَمَا عَلِمْته ذَكَرَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْهُمْ يُخَالِفُهُ قَالَ‏:‏ إنَّمَا عَنَيْت بِالنَّاسِ الْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا أَوْ قَبْلَنَا لاَ التَّابِعِينَ قُلْت لَهُ‏:‏ أَتَعْنِي بِأَيِّ الْبُلْدَانِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ‏:‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ فَاحْكِ لِي مَنْ تَرَكَهُ بِالْعِرَاقِ‏؟‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاَ يَقُولُ بِهِ وَأَصْحَابُهُ قُلْت أَفَتَعُدُّ أَصْحَابَهُ إلَّا رَجُلاً وَاحِدًا لِأَنَّهُمْ قَبِلُوهُ عَنْ وَاحِدٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَلَمْ أَعْلَمْ غَيْرَهُ قَالَ بِهِ‏.‏ قُلْت أَنْتَ أَخْبَرْتنَا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ بِرَدِّهَا وَقِيمَةِ اللَّبَنِ يَوْمَئِذٍ قَالَ‏:‏ وَهَكَذَا كَانَ يَقُولُ وَلَكِنْ لاَ نَقُولُ بِهِ‏.‏ فَقُلْت أَجَلْ‏:‏ وَلَكِنْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَدْ زَادَ الْحَدِيثَ فَتَأَوَّلَ فِيهِ شَيْئًا يَحْتَمِلُهُ ظَاهِرُهُ عِنْدَنَا عَلَى غَيْرِهِ فَقُلْنَا بِظَاهِرِهِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَرَادَ اتِّبَاعَهُ لاَ خِلاَفَهُ‏.‏ قَالَ فَمَا كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِيهِ‏؟‏ قُلْت أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَهُ يَقُولُ بِالْحَدِيثِ قَالَ فَمَا كَانَ الزَّنْجِيُّ يَقُولُ فِيهِ‏؟‏ قُلْت سَمِعْته يُفْتِي فِيهِ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْت لَهُ مَا كَانَ مَنْ يُفْتِي بِالْبَصْرَةِ يَقُولُ فِيهِ‏:‏ قَالَ مَا أَدْرِي قُلْت أَفَرَأَيْت مَنْ غَابَ عَنْك قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَانُ أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ وَافَقُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ لاَ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ قَوْلَهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ تَرَكُوا الْقَوْلَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْمُصَرَّاةِ وَزَعَمْت عَلَى لِسَانِك أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَك مَا قُلْت وَلَمْ يَحْصُلْ فِي يَدَيْك مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ تُسَمِّيهِ غَيْرُ صَاحِبِك وَأَصْحَابِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْت لَهُ‏:‏ وَهَلْ وَجَدْت لِرَسُولِ اللَّهِ حَدِيثًا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ يُخَالِفُهُ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إلَّا إلَى حَدِيثٍ لِرَسُولِ اللَّهِ مِثْلِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كُنْت أَرَى هَذَا قُلْت فَقَدْ عَلِمْت الْآنَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هَكَذَا قَالَ وَكُنْت أَرَى حَدِيثَ جَابِرٍ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ الْعَتَمَةَ ثُمَّ يَأْتِي بَنِي سَلِمَةَ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ الْعَتَمَةَ هِيَ لَهُ نَافِلَةٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَوَجَدْنَا أَصْحَابَكُمْ الْمَكِّيِّينَ عَطَاءً وَأَصْحَابَهُ يَقُولُونَ بِهِ وَوَجَدْنَا وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ وَالْحَسَنَ وَأَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ وَبَعْضَ مُفْتِي أَهْلِ زَمَانِنَا يَقُولُونَ بِهِ قُلْت وَغَيْرُ مَنْ سَمَّيْت‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَجَلْ وَفِي هَؤُلاَءِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَرْكِهِ قُلْت لَهُ وَلَقَدْ جَهَدْت مُنْذُ لَقِيتُك وَجَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ حَدِيثًا وَاحِدًا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ خَالَفَتْهُ الْعَامَّةُ فَمَا وَجَدْنَا إلَّا أَنْ يُخَالِفُوهُ إلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثًا قُلْت أَثَابِتٌ هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ فَقُلْت مَا لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَحَدٍ وَلاَ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ نَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلاَ نَرُدُّ ثَمَنَ اللَّبَنِ‏.‏ قُلْت أَثَبَتَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت وَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّسْلِيمُ فَقَوْلُك وَقَوْلُ غَيْرِك فِيهِ لِمَ وَكَيْفَ خَطَأٌ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ نَعَمْ قُلْت فَدَعْ كَيْفَ إذَا قَرَّرْت أَنَّهَا خَطَأٌ فِي مَوْضِعٍ فَلاَ تَضَعُهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي هِيَ فِيهِ خَطَأٌ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ وَكَيْفَ كَانَتْ خَطَأً‏؟‏ قُلْت‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَبَّدَ خَلْقُهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا شَاءَ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ فَعَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ إلَّا التَّسْلِيمُ وَكَيْفَ إنَّمَا تَكُونُ فِي قَوْلِ الْآدَمِيِّينَ الَّذِينَ يَكُونُ قَوْلُهُمْ تَبَعًا لاَ مَتْبُوعًا وَلَوْ جَازَ فِي الْقَوْلِ اللَّازِمِ كَيْفَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى قِيَاسٍ أَوْ فِطْنَةِ عَقْلٍ لَمْ يَكُنْ لِلْقَوْلِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا بَطَلَ الْقِيَاسُ وَلَكِنَّ الْقَوْلَ قَوْلاَنِ‏:‏ قَوْلٌ فُرِضَ لاَ يُقَالُ فِيهِ كَيْفَ‏.‏ وَقَوْلٌ تُبِعَ يُقَالُ فِيهِ كَيْفَ يُشْبِهُ الْقَوْلُ الْغَايَةَ‏.‏ قَالَ الرَّبِيعُ وَالْقَوْلُ الْغَايَةُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قُلْت لَهُ‏:‏ هَلْ تَعْلَمُ فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ مَعْنًى إلَّا اثْنَيْنِ قَالَ مَا هُمَا‏؟‏ قُلْت إنَّ الْخَرَاجَ حَادِثٌ بِعَمَلِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلاَ يَجُوزُ لَمَّا كَانَ هَكَذَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِهِ لِلْمَالِكِ مِلْكًا صَحِيحًا قَالَ لاَ قُلْت فَإِنَّك لَمَّا فَرَّعْت خَالَفْت بَعْضَ مَعْنَاهُمَا مَعًا قَالَ وَأَيْنَ خَالَفْت‏؟‏ قُلْت زَعَمْت أَنَّ خَرَاجَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَخِدْمَتَهُمَا وَمَا مَلَكَا بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ كَنْزٍ وَجَدَاهُ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَدُلِّسَ لَهُ فِيهِ بِالْعَيْبِ وَلَهُ رَدُّهُ وَالْخِدْمَةُ وَمَا مَلَكَ الْعَبْدَ بِلاَ خَرَاجٍ غَيْرِ الْخَرَاجِ فَإِذَا قِيلَ لَك لِمَ تَجْعَلُ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ الْخَرَاجِ وَالْخَرَاجُ يَكُونُ بِعَمَلِهِ وَمَا وُهِبَ لَهُ يَكُونُ بِغَيْرِ عَمَلِهِ وَلاَ يَشْغَلُهُ عَنْ خِدْمَتِهِ‏؟‏ فَقُلْت لِأَنَّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ مِمَّا انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَزَعَمْت أَنَّ أَلْبَانَ الْمَاشِيَةِ وَإِنْتَاجَهَا وَصُوفَهَا وَثَمَرَ النَّخْلِ لاَ يَكُونُ مِثْلَ الْخَرَاجِ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ مِنْهَا وَالْخَرَاجُ لَيْسَ مِنْ الْعَبْدِ وَتَعَبُ الْعَبْدِ بِالْخَرَاجِ أَكْثَرُ مِنْ تَعَبِ الْمَاشِيَةِ بِاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ يُؤْخَذُ مِنْهَا وَكِلاَهُمَا حَادِثٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَزَعَمْت أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ جَارِيَةً فَأَصَابَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا فَقِيلَ لَهُ أَوْ تُنْقِصُهَا الْإِصَابَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، فَقِيلَ‏:‏ الْإِصَابَةُ أَكْثَرُ أَوْ يَجِدُ أَلْفَ دِينَارٍ رِكَازًا فَلْيَأْخُذْهَا السَّيِّدُ وَكِلاَهُمَا حَادِثٌ فِي مِلْكِهِ‏.‏ فَقُلْت فَلِمَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا‏؟‏ قَالَ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَتَهُ فَقُلْت أَوْ لَيْسَتْ أَمَتُهُ حِينَ يَرُدُّهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى قُلْت وَلَوْلاَ أَنَّهَا أَمَتُهُ لَمْ يَأْخُذْ كَنْزًا وَجَدَتْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قُلْت فَمَا مَعْنَى وَطْءِ أَمَتِهِ وَهِيَ عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَمَتُهُ حَتَّى يَرُدَّهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَرَوَيْنَا هَذَا عَنْ عَلِيٍّ قُلْت أَثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ‏:‏ لاَ، قَالَ فَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ يَرُدُّهَا وَذَكَرَ عَشْرًا أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ قُلْت أَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ‏؟‏ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ‏:‏ لاَ، قُلْت فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ وَأَنْتَ تُخَالِفُ عُمَرَ لَوْ كَانَ قَالَهُ‏؟‏ قَالَ أَفَلَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ يَرُدَّ جَارِيَةً قَدْ وَطِئَهَا بِالْمِلْكِ‏.‏ قُلْت أَيَقْبُحُ لَوْ بَاعَهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْت فَإِذَا جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ الْعَبْدِ بِالْعَيْبِ وَالْأَمَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك مِثْلُ الْعَبْدِ وَأَنْتَ تَرُدُّ الْأَمَةَ مَا لَمْ يَطَأْهَا فَكَيْفَ قُلْت فِي الْوَطْءِ خَاصَّةً وَهُوَ لاَ يُنْقِصُهَا لاَ يَرُدُّهَا إذَا وَطِئَهَا مِنْ شِرَاءٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏؟‏ قَالَ مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْهَا وَهُوَ يَنْتَفِعُ مِنْهَا بِمَا وَصَفْت وَيَرُدُّهَا مَعَهُ قَالَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ وَافَقَك عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ إذَا وُطِئَتْ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا وَخَالَفَك فِي نِتَاجِ الْمَاشِيَةِ فَقُلْت الْحُجَّةُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك‏.‏

بَابُ كَسْبِ الْحَجَّامِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ ‏{‏أَنَّ مُحَيِّصَةُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى قَالَ لَهُ أَطْعِمْهُ رَقِيقَك وَاعْلِفْهُ نَاضِحَك‏}‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ‏{‏عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي إجَارَةِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ لَهُ اعْلِفْهَا نَاضِحَك وَرَقِيقَك‏}‏ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ‏}‏‏.‏

وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ حُمَيْدٍ ‏{‏عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ‏:‏ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخِفُّوا عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ، وَقَالَ إنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ لِصِبْيَانِكُمْ مِنْ الْعُذْرَةِ وَلاَ تُعَذِّبُوهُمْ بِالْغَمْزِ‏}‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ لِلْحَجَّامِ اُشْكُمُوهُ‏}‏‏.‏ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفٌ وَلاَ نَاسِخٌ وَلاَ مَنْسُوخٌ فَهُمْ قَدْ أَخْبَرُونَا أَنَّهُ قَدْ أَرْخَصَ لِمُحَيَّصَةَ أَنْ يَعْلِفَهُ نَاضِحَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُجِزْ رَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمُحَيَّصَةَ أَنْ يَمْلِكَ حَرَامًا وَلاَ يَعْلِفُهُ نَاضِحَهُ وَلاَ يُطْعِمُهُ رَقِيقَهُ وَرَقِيقُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ وَلَمْ يُعْطِ رَسُولُ اللَّهِ حَجَّامًا عَلَى الْحِجَامَةِ أَجْرًا إلَّا لِأَنَّهُ لاَ يُعْطِي إلَّا مَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَمَا يَحِلُّ لِمَالِكِهِ مِلْكُهُ حَلَّ لَهُ وَلِمَنْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ أَكَلَهُ قَالَ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا مَعْنَى نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ وَإِرْخَاصِهِ فِي أَنْ يُطْعِمَهُ النَّاضِحَ وَالرَّقِيقَ‏؟‏ قِيلَ لاَ مَعْنَى لَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْمَكَاسِبِ دَنِيًّا وَحَسَنًا فَكَانَ كَسْبُ الْحَجَّامِ دَنِيًّا فَأَحَبَّ لَهُ تَنْزِيهَ نَفْسِهِ عَنْ الدَّنَاءَةِ لِكَثْرَةِ الْمَكَاسِبِ الَّتِي هِيَ أَجْمَلُ فَلَمَّا زَادَ فِيهِ أَمَرَهُ أَنْ يُعْلِفَهُ نَاضِحَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ تَنْزِيهًا لَهُ لاَ تَحْرِيمًا عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رضي الله عنه‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً ذَا قَرَابَةٍ لِعُثْمَانَ قَدِمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَعَاشِهِ فَذَكَرَ لَهُ غَلَّةَ حَمَّامٍ وَكَسْبَ حَجَّامٍ أَوْ حِجَامَيْنِ فَقَالَ إنَّ كَسْبَك لَوَسَخٌ أَوْ قَالَ لَدَنِيءٌ أَوْ قَالَ لَدَنِسٌ أَوْ كَلِمَةٌ تُشْبِهُ ذَلِكَ‏.‏

بَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَحْسَبُهُ وَلاَ أُثْبِتُهُ قَالَ ‏{‏وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏ قَالَ عَمْرٌو فِي الْأَمْوَالِ‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ سَمَّاهُ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ‏{‏أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَانْطَلَقَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْمَقْتُولِ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَتِيلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ‏؟‏‏}‏ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ بَشِيرٌ قَالَ سَهْلٌ لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ فِي مِرْبَدٍ لَنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا نَأْخُذُ وَهِيَ مِنْ الْجُمَلِ الَّتِي يَدُلُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَمِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَوْ اقْتِصَارِ الْمُحَدِّثِ عَلَى بَعْضِ مَا يَسْمَعُ دُونَ بَعْضٍ أَوْ هُمَا مَعًا فَإِنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا سِوَى الَّذِي فِي النَّفْسِ خَاصَّةً يُرِيدُ أَخْذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ بِدَعْوَاهُ بِحَالٍ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى فَإِذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَا دُونَ الزِّنَا أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْأَمْوَالِ قَضَى لَهُ بِدَعْوَاهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ بَيِّنَتِهِ وَإِذَا لَمْ يُقِمْ عَلَى مَا يَدَّعِي إلَّا شَاهِدًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ مَالاً أَحْلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَعْطَى الْمَالَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَدَّعِي غَيْرَ مَالٍ لَمْ يُعْطِ بِهِ شَيْئًا وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رضي الله عنه‏:‏ الْبَيِّنَةُ فِي دَلاَلَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيِّنَتَانِ بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ بِعَدَدِ الشُّهُودِ لاَ يَحْلِفُ مُقِيمُهَا مَعَهَا وَبَيِّنَةٌ نَاقِصَةُ الْعَدَدِ يَحْلِفُ مُقِيمُهَا مَعَهَا‏.‏

قَالَ وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةً يُؤْخَذُ بِهَا أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَأْخُذْ الَّذِي ادَّعَى مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى دَعْوَاهُ فَيَأْخُذَ بِيَمِينِهِ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ وَالْحُكْمُ بِالدَّعْوَى بِلاَ بَيِّنَةٍ وَالْأَيْمَانِ مُخَالِفٌ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُقَاسُ بِهِ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ تَضَادَّا قَالَ‏:‏ وَمَنْ ادَّعَى مَا لاَ دَلاَلَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَى دَعْوَاهُ إلَّا بِدَعْوَاهُ أَحْلَفْنَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا يَحْلِفُ فِيمَا سِوَى الدِّمَاءِ وَإِذَا كَانَتْ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي دَلاَلَةٌ تُصَدَّقُ دَعْوَاهُ كَالدَّلاَلَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى فِيهَا بِالْقَسَامَةِ أُحْلِفَ الْمُدَّعُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقُّوا دِيَةَ الْمَقْتُولِ وَلاَ يَسْتَحِقُّونَ دَمًا‏.‏

قَالَ وَكُلُّ مَا وَصَفْت بَيِّنٌ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَصًّا فَإِنَّ أَحْكَامَهُ لاَ تَخْتَلِفُ وَأَنَّهَا إذَا احْتَمَلَتْ أَنْ يَمْضِيَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهِهِ أَمْضَى وَلَمْ تُجْعَلْ مُخْتَلِفَةً وَهَكَذَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُشْبِهُ هَذَا‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ‏}‏ وَقَالَ فِي الَّذِينَ يَرْمُونَ بِالزِّنَا ‏{‏لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏ فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ أَنْ لاَ يَثْبُتَ الْحَدُّ عَلَى الزَّانِي إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَصِيَّةِ‏:‏ ‏{‏اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ فَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ تُقْبَلَ الْوَصِيَّةُ بِاثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَجَمِيعِ الْحُقُوقِ اثْنَانِ فِي غَيْرِ الزِّنَا وَقَالَ فِي الدَّيْنِ ‏{‏وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ‏}‏ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي الدَّيْنِ يُقْبَلُ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلاَ يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ نَاسِخٌ لِبَعْضٍ وَلَكِنْ يُقَالُ مُخْتَلِفٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ قَالَ‏:‏ وَإِنَّمَا قُلْت لاَ يَقْسِمُ الْمُدَّعُونَ الدَّمَ إلَّا بِدَلاَلَةٍ اسْتِدْلاَلاً بِمَا وَصَفْت مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانَتْ مِنْ أَعْدَى النَّاسِ لِلْيَهُودِ لِقَطْعِهَا مَا كَانَ بَيْنَهَا وَقَتْلِهَا رِجَالَهَا وَإِجْلاَئِهَا عَنْ بِلاَدِهَا وَفُقِدَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَوُجِدَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ قَتِيلاً فِي مَنْزِلِهِمْ وَدَارُهُمْ مُحَصَّنَةٌ لاَ يَخْلِطُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ فَكَانَ فِيمَا وَصَفْت دَلاَئِلُ مِنْ عِلْمِهَا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إلَّا يَهُودُ لِبَعْضِهِمْ فَعَرَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَنْصَارِ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا فَأَبَوْا فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ تَحْلِفَ يَهُودُ فَيُبَرِّئَهُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَأَبَوْا فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ وَذَلِكَ عِنْدَنَا تَطَوُّعٌ فَإِذَا كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي فِيهَا الْقَتِيلُ أَوْ بَعْضَهَا قَتَلَتْهُ كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِيهِ وَاسْتَحَقَّ أَهْلُهُ بِهَا الْعَقْلَ لاَ الدَّمَ وَإِذَا أَبَوْا حَلَفَ لَهُمْ مَنْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ يُبَرَّءُونَ لِأَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُبَرَّءُونَ بِالْأَيْمَانِ وَمِثْلُ هَذَا وَأَكْثَرُ مِنْهُ تَدْخُلُ الْجَمَاعَةُ الْبَيْتَ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ الْقَتِيلُ فَيَغْلِبُ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ قَتَلَهُ أَوْ يُوجَدُ الرَّجُلُ بِالْفَلاَةِ مُتَلَطِّخَ الثِّيَابِ بِالدَّمِ أَوْ السَّيْفِ وَعِنْدَهُ الْقَتِيلُ لَيْسَ قُرْبَهُ عَيْنٌ وَلاَ أَثَرُ عَيْنٍ فَيَغْلِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ هَذَا أَنَّهُ قَتَلَهُ أَوْ إخْبَارُ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ خَبَرَهُ أَنَّهُ لاَ يَكْذِبُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْقَتِيلِ وَأَتَى وَاحِدٌ مِنْ جِهَةٍ وَامْرَأَةٌ مِنْ أُخْرَى أَوْ صَبِيٌّ مِنْ أُخْرَى أَوْ كَافِرٌ مِنْ أُخْرَى وَأَثْبَتَ كُلُّهُمْ رَجُلاً فَقَالُوا هَذَا قَتَلَهُ وَغَيَّبَ فَأُرُوا غَيْرَهُ فَقَالُوا لَمْ يَقْتُلْهُ هَذَا وَمَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي فَادَّعَى أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا تَوَاطَئُوا عَلَى الْبَاطِلِ بَعْدَ الْقَتْلِ فِيمَا لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ وُجُوهٍ مُتَفَرِّقَةٍ اجْتَمَعُوا فَتَوَاطَئُوا عَلَى أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَسَامَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَيُبَرَّءُونَ

بَابُ الْخِلاَفِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَجَرَّدَ خِلاَفَ حَدِيثِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَخَالَفَ بَعْضٌ مَعْنَى ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ وَقَدْ كَتَبْت عَلَيْهِ فِيهَا حُجَجًا اخْتَصَرْت فِي هَذَا الْكِتَابِ بَعْضَهَا فَكَانَ مِمَّا رَدَّ بِهِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ إنْ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ‏}‏ فَقُلْت لَهُ لَسْت أَعْلَمُ فِي هَذِهِ الآيَةِ تَحْرِيمَ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ بِحَالٍ قَالَ‏:‏ فَإِنْ قُلْت فِيهَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ‏؟‏ قُلْت فَقُلْهُ قَالَ فَقَدْ قُلْته قُلْت فَمَنْ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِهِمَا‏؟‏ قَالَ عَدْلاَنِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ قُلْت فَلِمَ أَجَزْت شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ‏؟‏ وَقُلْت لِمَ أَجَزْت شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا‏؟‏ قَالَ لِأَنَّ عَلِيًّا أَجَازَهَا قُلْت فَخِلاَفٌ هِيَ لِلْقُرْآنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ خَالَفَ الْقُرْآنَ‏؟‏ وَقُلْت لَهُ يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَدِيثِ أَنْ يُخَالِفَ الْقُرْآنَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ قُلْته‏؟‏ قُلْت فَيُقَالُ لَك قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ إلَى ‏{‏فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏- وَقَالَ ‏{‏ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَالُكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا‏}‏ فَزَعَمْت أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَلاَ بِالْمَرْأَةِ وَأَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا أَوْ خَلاَ بِهَا فِي صَحْرَاءَ وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ بِأَنْ لَمْ يَمَسَّهَا كَانَ لَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَخَالَفْت الْقُرْآنَ قَالَ‏:‏ لاَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا قُلْت وَإِذَا قَالاَ لَمْ نَجْعَلْهُ لِلْقُرْآنِ خِلاَفًا قُلْت فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُبَيِّنِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَلَمْ تَقُولُوا هَذَا فِيهِ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خِلاَفًا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَذَكَرْت لَهُ غَيْرَهُمَا وَقُلْت إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ حَتَّى لاَ يَكُونَ عَلَى مَنْ أَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ يَمِينٌ لاَ أَنَّهُ حَرُمَ أَنْ يَحْكُمَ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَمَنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْلِفَ مَعَهُ فَهُوَ حُكْمٌ غَيْرُ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدَيْنِ كَمَا يَكُونُ أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقَّ فَيَنْكُلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُهُ عِنْدَك مَا نَكَلَ عَنْهُ وَعِنْدَنَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي فَهُوَ حُكْمُ غَيْرِ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَشَاهِدَيْنِ قَالَ‏:‏ فَإِنَّا نُدْخِلُ عَلَيْكُمْ فِيهَا وَفِي الْقَسَامَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي‏}‏ قُلْت فَهَذَا الْقَوْلُ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ‏؟‏ قَالَ بَلْ عَامٌّ قُلْت فَأَنْتَ إذًا أَشَدُّ النَّاسِ لَهُ خِلاَفًا قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ لَوْ أَنَّ قَتِيلاً وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ أَحَلَفْت أَهْلَهَا خَمْسِينَ يَمِينًا وَغَرَّمْتهمْ الدِّيَةَ وَأَعْطَيْت وَلِيَّ الدَّمِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي‏}‏ عَامٌّ فَلاَ يُعْطِي أَحَدٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَأَحْلَفْت أَهْلَ الْمَحَلَّةِ وَلَمْ تُبَرِّئْهُمْ وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ بَرِئَ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت هَذَا بِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ قُلْت فَمَنْ احْتَجَّ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّابِتُ عَنْهُ أَوْلَى بِالْحُجَّةِ مِمَّنْ احْتَجَّ بِقِضَاءِ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ بَلْ مَنْ احْتَجَّ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْت فَقَدْ احْتَجَجْت بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَعَمْت أَنَّ قَوْلَهُ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ عَامٌّ قَالَ مَا هُوَ بِعَامٍّ قُلْنَا فَلِمَ امْتَنَعْت مِنْ أَنْ تَقُولَ بِمَا إذَا كَشَفْت عَنْهُ أَعْطَيْت مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَنْ تَقُولَ بِهِ‏؟‏ وَقُلْت بِمَا إذَا كَشَفْت عَنْهُ وَوُجِدَ عَلَيْك خِلاَفُهُ‏؟‏

قَالَ فَقَدْ جَعَلْتُمْ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ تَامَّةً فِي شَيْءٍ نَاقِصَةً فِي غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ جَعَلْتُمْ الشَّاهِدَيْنِ تَامَّيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الزِّنَا وَجَعَلْتُمْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ تَامَّيْنِ فِي الْمَالِ نَاقِصَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَجَعَلْتُمْ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ تَامَّةً بَيْنَهُمْ نَاقِصَةً بَيْنَ غَيْرِهِمْ وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ تَامَّةٌ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ نَاقِصَةٌ فِي غَيْرِهَا قَالَ وَاحْتَجَّ فِي الْقَسَامَةِ بِأَنْ قَالَ أَعْطَيْتُهُمْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قُلْت فَكَذَلِكَ أَعْطَيْت فِي قَسَامَتِك وَاحْتَجَّ بِأَنْ قَالَ أَحَلَّفْتهمْ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ قُلْت فَقَدْ يَعْلَمُونَ بِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ مِمَّنْ يُصَدَّقُونَ وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِقْرَارُ الْقَاتِلِ عِنْدَهُمْ بِلاَ بَيِّنَةٍ وَلاَ يُحْكَمُ بِادِّعَائِهِمْ عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ وَغَيْرَ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ الْعِلْمُ مَا رَأَوْا بِأَعْيُنِهِمْ أَوْ سَمِعُوا بِآذَانِهِمْ قُلْت وَلاَ عِلْمٌ ثَالِثٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَإِذَا اشْتَرَى ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةِ سَنَةً عَبْدًا وُلِدَ بِالْمَشْرِقِ مُنْذُ خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ فَادَّعَى الَّذِي ابْتَاعَهُ أَنَّهُ كَانَ آبِقًا فَكَيْفَ تُحَلِّفُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَلَى الْبَتَّةِ قَالَ يَقُولُ لَك تَظْلِمُنِي فَإِنَّ هَذَا وُلِدَ قَبْلِي وَبِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِي وَتُحَلِّفُنِي عَلَى الْبَتَّةِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لاَ أُحِيطُ بِأَنْ لَمْ يَأْبَقْ قَطُّ عِلْمًا‏؟‏ قَالَ يُسْأَلُ قُلْت يَقُولُ لَك فَأَنْتَ تُحَلِّفُنِي عَلَى مَا تَعْلَمُ إنِّي لاَ أَبَرُّ فِيهِ قَالَ وَإِذَا سَأَلْت وَسِعَك أَنْ تُحَلِّفَ قُلْت أَفَرَجُلٌ قُتِلَ أَبُوهُ فَغَبَّى مِنْ سَاعَتِهِ فَسَأَلَ أَوْلَى أَنْ يَعْلَمَ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ بَلْ مَنْ قُتِلَ أَبُوهُ قُلْت فَقَدْ عِبْت يَمِينَهُ عَلَى الْقَسَامَةِ وَنَحْنُ لاَ نَأْمُرُهُ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ يُمْكِنُهُ وَالْيَمِينُ عَلَى الْقَسَامَةِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقُلْت بِرَأْيِك يَحْلِفُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي وَصَفْت قَالَ فَقَدْ خَالَفَ حَدِيثُكُمْ ابْنَ الْمُسَيِّبِ وَابْنَ بُجَيْدِ قُلْت أَفَأَخَذْت بِحَدِيثِ سَعِيدٍ وَابْنِ بُجَيْدِ فَتَقُولُ اخْتَلَفَتْ أَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذْت بِأَحَدِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت كُلَّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَسَامَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَلِمَ لَمْ تَأْخُذْ بِحَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ‏؟‏ قَالَ هُوَ مُنْقَطِعٌ وَالْمُتَّصِلُ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ والأنصاريون أَعْلَمُ بِحَدِيثِ صَاحِبِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ قَالَ فَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذْ بِحَدِيثِ ابْنِ بُجَيْدِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لاَ يَثْبُتُ ثُبُوتُ حَدِيثِ سَهْلٍ فَبِهَذَا صِرْنَا إلَى حَدِيثِ سَهْلٍ دُونَهُ قَالَ‏:‏ فَإِنَّ صَاحِبَكُمْ قَالَ لاَ تَجِبُ الْقَسَامَةُ إلَّا بِلَوَثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ دَعْوَى مِنْ مَيِّتٍ ثُمَّ وَصَفَ اللَّوَثَ بِغَيْرِ مَا وَصَفْت قُلْت قَدْ رَأَيْتنَا تَرَكْنَاهُ عَلَى أَصْحَابِنَا وَصِرْنَا إلَى أَنْ نَقْضِيَ فِيهِ بِمِثْلِ الْمَعْنَى الَّذِي قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ بِشَيْءٍ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ قَالَ وَأَعْطَيْتُمْ بِالْقَسَامَةِ فِي النَّفْسِ وَلَمْ تُعْطُوا بِهَا فِي الْجِرَاحِ قُلْت أَعْطَيْنَا بِهَا حَيْثُ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْجِرَاحُ مُخَالِفَةٌ لِلنَّفْسِ قُلْت لِأَنَّ الْمَجْرُوحَ قَدْ يَتَبَيَّنُ مِنْ جُرْحِهِ وَيَدُلُّ عَلَى مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَبَيَّنُ الْمَيِّتُ ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْنَا فَبِهَذَا لَمْ نُعْطِ بِهَا فِي الْجِرَاحِ كَمَا أَعْطَيْنَا بِهَا فِي النَّفْسِ وَالْقَضِيَّةُ الَّتِي خَالَفُوا بِهَا الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُمْ أَحَلَفُوا أَهْلَ الْمَحَلَّةِ وَلَمْ يُبَرِّئُوهُمْ وَإِنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَمِينَ مَوْضِعَ بَرَاءَةٍ وَقَدْ كَتَبْنَا الْحُجَّةَ فِي هَذَا مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَتَبْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَمَا رَأَيْنَاهُمْ ادَّعَوْا الْحُجَّةَ فِي شَيْءٍ إلَّا تَرَكُوهُ وَلاَ عَابُوا شَيْئًا إلَّا دَخَلُوا فِي مِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه‏:‏ وَمِنْ كِتَابِ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنُ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ بْنِ قِبْطِيٍّ أَحَدِ بَنِي حَارِثَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إبْرَاهِيمَ وَأَيْمُ اللَّهِ مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ قَالَ وَاَللَّهِ مَا هَكَذَا كَانَ الشَّأْنُ وَلَكِنَّ سَهْلاً أَوْهَمَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْلِفُوا عَلَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ وَلَكِنَّهُ كَتَبَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ كَلَّمَتْهُ الْأَنْصَارُ أَنَّهُ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَبْيَاتِكُمْ فَدَوْهُ فَكَتَبُوا إلَيْهِ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلُوهُ وَلاَ يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلاً فَوَدَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ لِي قَائِلٌ‏:‏ مَا يَمْنَعُك أَنْ تَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ بُجَيْدِ‏؟‏ قُلْت لاَ أَعْلَمُ ابْنَ بُجَيْدِ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مُرْسَلٌ وَلَسْنَا وَلاَ إيَّاكَ نُثْبِتُ الْمُرْسَلَ وَقَدْ عَلِمْت سَهْلاً صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعَ مِنْهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ سِيَاقًا لاَ يُثْبِتُهُ إلَّا الْإِثْبَاتَ فَأَخَذْت بِهِ لِمَا وَصَفْت قَالَ فَمَا مَنَعَك أَنْ تَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ قُلْت مُرْسَلٌ وَالْقَتِيلُ أَنْصَارِيٌّ والأنصاريون أَوْلَى بِالْعِنَايَةِ بِالْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ إذَا كَانَ كُلُّ ثِقَةٍ وَكُلٌّ عِنْدَنَا بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ثِقَةٌ‏.‏

بَابُ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لاَ يُثْبِتُ بَعْضُهَا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اقْضِهِ عَنْهَا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه‏:‏ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُقْضَى فَرِيضَةُ الْحَجِّ عَمَّنْ بَلَغَ أَنْ لاَ يَسْتَمْسِكَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَسَنَّ أَنْ يُقْضَى نَذْرُ الْحَجِّ عَمَّنْ نَذَرَهُ وَكَانَ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَجِّ عَنْ مَنْ وَجَدَ إلَيْهِ السَّبِيلَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّبِيلِ الْمَرْكَبَ وَالزَّادَ وَفِي هَذَا نَفَقَةٌ عَلَى الْمَالِ وَسَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ مِنْ الْحَجِّ بَدَلاً غَيْرَ الْحَجِّ وَلَمْ يُسَمِّ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا كَانَ نَذْرُ أُمِّ سَعْدٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَذْرَ الْحَجِّ فَأَمَرَهُ بِقَضَائِهِ عَنْهَا لِأَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ قَضَاءَهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ نَذْرَ صَدَقَةٍ كَانَ كَذَلِكَ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ‏.‏

قَالَ فَأَمَّا مَنْ نَذَرَ صِيَامًا أَوْ صَلاَةً ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ وَلاَ يُصَامُ عَنْهُ وَلاَ يُصَلَّى عَنْهُ وَلاَ يُكَفَّرُ عَنْهُ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا فَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهَا‏:‏ فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَجَّ عَلَى مَنْ وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلاً ‏{‏وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْضَى عَمَّنْ لَمْ يَحُجَّ‏}‏، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْحَجِّ بَدَلاً غَيْرَ الْحَجِّ وَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمَ، فَقَالَ ‏{‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ مَسَاكِينَ قِيلَ يُطِيقُونَهُ كَانُوا يُطِيقُونَهُ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْهُ فَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَأَمَرَ بِالصَّلاَةِ ‏{‏وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَقْضِيَ الْحَائِضُ وَلاَ يُقْضَى عَنْهَا مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلاَةِ‏}‏ وَقَالَ عَوَامُّ الْمُفْتِينَ وَلاَ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا فِي تَرْكِ الصَّلاَةِ كَفَّارَةً وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ عَنْ صَلاَةٍ كَفَّارَةٌ مِنْ صَدَقَةٍ وَلاَ أَنْ يَقُومَ بِهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَكَانَ عَمَلُ كُلِّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ وَكَانَتْ الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ عَمِلَ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ لاَ يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ وَكَانَ يُعْمَلُ الْحَجُّ عَنْ الرَّجُلِ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ فِيهِ نَفَقَةً مِنْ الْمَالِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي صَوْمٍ وَلاَ صَلاَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قِيلَ أَفَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ‏:‏ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ بِهِ‏؟‏ قِيلَ حَدَّثَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ‏}‏ مَعَ حِفْظِ الزُّهْرِيِّ وَطُولِ مُجَالَسَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمَّا جَاءَ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِغَيْرِ مَا فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ أَنْ لاَ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَإِنْ قِيلَ أَتَعْرِفُ الَّذِي جَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يُغَلِّطُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ‏:‏ رَوَى أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ إنَّ الزُّبَيْرَ حَلَّ مِنْ مُتْعَتِهِ الْحَجَّ فَرَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَتْ عَلَيْنَا كَبِيرُ مُؤْنَةٍ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ إذَا اخْتَلَفَ أَوْ ظُنَّ مُخْتَلِفًا لِمَا وَصَفْت وَلاَ مُؤْنَةَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالنَّصَفَةِ فِي الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ غَلَطًا وَالْحَدِيثِ الَّذِي لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ، وَقَدْ عَارَضَ صِنْفَانِ مِنْ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ بِحَالِ بَعْضِ مُحَدِّثِيهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي غَلِطَ صَاحِبُهُ بِدَلاَلَةٍ فَلاَ يَثْبُتُ فَسَأَلَنِي مِنْهُمْ طَائِفَةٌ تُبْطِلُ الْحَدِيثَ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ بِضُرٍّ بَيِّنٍ أَحَدُهُمَا الْجَهَالَةُ مِمَّنْ لاَ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ وَالْآخَرُ بِأَنْ يُوجَدَ مِنْ الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّهُ فَيَقُولُونَ إذَا جَازَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُ جَازَ فِي كُلِّهِ وَصِرْتُمْ فِي مَعْنَانَا فَقُلْت أَرَأَيْت الْحَاكِمَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ ثَلاَثَةٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ وَمَجْرُوحٌ يَعْرِفُهُ وَرَجُلٌ يَجْهَلُ جُرْحَهُ وَعَدْلَهُ أَلَيْسَ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْعَدْلِ وَيَتْرُكُ شَهَادَةَ الْمَجْرُوحِ وَيَقْفُ شَهَادَةَ الْمَجْهُولَ حَتَّى يَعْرِفَهُ بِعَدْلٍ فَيُجِيزَهُ أَوْ يُجْرَحَ فَيَرُدَّهُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ بَلَى قِيلَ فَلَمَّا رَدَّ الْمَجْرُوحَ فِي الشَّهَادَةِ بِالظِّنَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْعَدْلَ الَّذِي لاَ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ‏:‏ فَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ لاَ يَخْتَلِفُ وَلَيْسَ نُجِيزُ لَكُمْ خِلاَفَ الْحَدِيثِ وَطَائِفَةٌ تَكَلَّمَتْ بِالْجَهَالَةِ وَلَمْ تَرْضَ أَنْ تَتْرُكَ الْجَهَالَةَ وَلَمْ تَقْبَلْ الْعِلْمَ فَثَقُلَتْ مُؤْنَتُهَا وَقَالُوا قَدْ تَرُدُّونَ حَدِيثًا وَتَأْخُذُونَ بِآخَرَ قُلْنَا نَرُدُّهُ بِمَا يَجِبُ بِهِ رَدُّهُ وَنَقْبَلُهُ بِمَا يَجِبُ بِهِ قَبُولُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الشُّهُودِ وَكَانَتْ فِيهِ مُؤْنَةٌ وَإِنْ غَضِبَ قَوْمٌ لِبَعْضِ مَنْ رُدَّ مِنْ حَدِيثِهِ فَقَالُوا هَؤُلاَءِ يَعِيبُونَ الْفُقَهَاءَ وَلَيْسَ يَجُوزُ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ يُقَالَ هَؤُلاَءِ يَرُدُّونَ شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ رَدُّوا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ بِظِنَّةٍ أَوْ دَلاَلَةٍ عَلَى غَلَطٍ أَوْ وَجْهٍ يَجُوزُ بِهِ رَدُّ الشَّهَادَةِ‏.‏

بَابُ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لاَ يَثْبُتُ بَعْضُهَا مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏أَيُّمَا عَبْدٍ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِأَعْلَى الْقِيمَةِ أَوْ قِيمَةِ عَدْلٍ لَيْسَتْ بِوَكْسٍ وَلاَ شَطَطٍ ثُمَّ يَغْرَمُ لِهَذَا حِصَّتَهُ‏}‏ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولاً يَقُولُ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ ‏{‏أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ أَوْ رَجُلٌ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ غَيْرُهُمْ فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَهُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمُعْتِقِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ‏{‏أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمَالِيكَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ أَوْ قَالَ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ مَمَالِيكَ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا ثُمَّ دَعَاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ثَابِتٌ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَكَانَ حُرًّا يَوْمَ تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ وَلَهُ وَلاَؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَتَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا مَلَكَ مِنْهُ وَرَقَّ مَا بَقِيَ لِأَصْحَابِهِ فِيهِ وَمَنْ كَانَ لَهُ مَمَالِيكُ لاَ يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ فَأَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَتَقَ بَتَاتٌ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلاَثَةِ أَجْزَاءٍ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ وَرَقَّ الْبَاقُونَ وَلاَ يُسْتَسْعَى الرَّقِيقُ وَلاَ الْعَبْدُ يُعْتَقُ بَعْضُهُ فِي حَالٍ‏.‏

بَابُ الْخِلاَفِ فِي هَذَا الْبَابِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَخَالَفَ مَذْهَبَنَا فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ فَزَعَمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَضْمَنَهُ أَوْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ وَعَابُوا هَذَا الْقَوْلَ عَلَيْهِ فَقَالُوا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ لِلشِّقْصِ لَهُ فِي الْعَبْدِ مُوسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْعَبْدُ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَقَالُوا فِي ثَلاَثَةِ مَمَالِيكَ أَعْتَقَهُمْ رَجُلٌ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ يُعْتَقُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَمِعْت مَنْ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ قَالَ بَعْضَ هَذَا بِأَنْ رُوِيَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَبْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ يَسْعَى‏}‏ وَرُوِيَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قِيلَ لَهُ أَوْ ثَابِتٌ حَدِيثُ أَبِي قِلاَبَةَ لَوْ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ‏؟‏ فَقَالَ مَنْ حَضَرَ هُوَ مُرْسَلٌ وَلَوْ كَانَ مَوْصُولاً كَانَ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ وَلَمْ يُعْرَفْ وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُهُ فَقُلْت أَثَابِتٌ حَدِيثُك عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِيهِ الِاسْتِسْعَاءُ، وَقَدْ خَالَفَهُ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ حَدَّثَنِيهِ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ هَكَذَا لَيْسَ فِيهِ اسْتِسْعَاءٌ وَهُمَا أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قُلْت‏:‏ فَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا كَانَ فِي هَذَا مَا شَكَّكَ فِي ثُبُوتِ الِاسْتِسْعَاءِ بِالْحَدِيثِ وَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَوْ اخْتَلَفَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ أَيُّهُمَا كَانَ أَثْبَتَ‏؟‏ قَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْت وَعَلَيْنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى الْأَثْبَتِ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ‏؟‏ نَعَمْ‏:‏ قُلْت فَمَعَ نَافِعٍ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِإِبْطَالِ الِاسْتِسْعَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ النَّظَرِ وَالدِّينِ مِنْهُمْ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَقُولُ‏:‏ لَوْ كَانَ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ فِي الِاسْتِسْعَاءِ مُنْفَرِدًا لاَ يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ مَا كَانَ ثَابِتًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَعَارَضَنَا مِنْهُمْ مُعَارِضٌ آخَرُ بِحَدِيثٍ آخَرَ فِي الِاسْتِسْعَاءِ فَقَطَعَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ لاَ يَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ يَعْرِفُ الْحَدِيثَ لِضَعْفِهِ قَالَ بَعْضُهُ تَنَاظُرُك فِي قَوْلِنَا وَقَوْلِك فَقُلْت أَوْ لِلْمُنَاظَرَةِ مَوْضِعٌ مَعَ ثُبُوتِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَرْحِ الِاسْتِسْعَاءِ فِي حَدِيثَيْ نَافِعٍ وَعِمْرَانَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنَّا نَقُولُ إنَّ أَيُّوبَ رُبَّمَا قَالَ فَقَالَ نَافِعٌ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْهُ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ شَيْءٌ كَانَ يَقُولُهُ نَافِعٌ بِرَأْيِهِ فَقُلْت لَهُ لاَ أَحْسِبُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَرِوَايَتِهِ يَشُكُّ فِي أَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ مِنْ أَيُّوبَ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْزَمَ لَهُ مِنْ أَيُّوبَ وَلِمَالِكٍ فَضْلُ حِفْظٍ لِحَدِيثِ أَصْحَابِهِ خَاصَّةً وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي الْحِفْظِ فَشَكَّ أَحَدُهُمَا فِي شَيْءٍ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَاحِبُهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَوْضِعٌ لاََنْ يَغْلَطَ بِهِ الَّذِي لَمْ يَشُكَّ إنَّمَا يَغْلَطُ الرَّجُلُ بِخِلاَفِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ أَوْ يَأْتِي بِشَيْءٍ فِي الْحَدِيثِ يُشْرِكُهُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْهُ مَا حَفِظَ وَهُمْ عَدَدٌ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ وَقَدْ وَافَقَ مَالِكًا فِي زِيَادَتِهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ غَيْرُهُ، وَزَادَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقَّ قَالَ فَقُلْت لَهُ هَلْ عَلِمْت خَلْقًا يُخَالِفُ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي حَدِيثِ الْقُرْعَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَكَيْفَ كَانَ خِلاَفُك لَهُ وَهُوَ كَمَا وَصَفْت وَهُوَ مِمَّا نُثْبِتُ نَحْنُ وَأَنْتَ أَكْثَرَ مِنْ خِلاَفِك حَدِيثَ نَافِعٍ وَمِنْ أَيْنَ اسْتَجَزْتَ أَنْ تُخَالِفَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مُعَارِضًا لَوْ عَارَضَك فَقَالَ‏:‏ عَطِيَّةُ الْمَرِيضِ كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ فَلَمْ يَكُنْ لَك عَلَيْهِ حُجَّةٌ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ فِي عِتْقِ الْمَرِيضِ عِتْقَ بَتَاتٍ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ‏}‏ وَعَلِمْت أَنَّ طَاوُسًا قَالَ‏:‏ لاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِقَرَابَةٍ وَتَأَوَّلَ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَقَالَ نُسِخَ الْوَالِدَانِ بِالْفَرَائِضِ وَلَمْ يُنْسَخْ الْأَقْرَبُونَ فَلَمْ يَكُنْ لَنَا عَلَيْهِ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْزَلَ عِتْقَ الْمَمَالِيكِ وَصِيَّةً وَأَجَازَهَا وَهُمْ غَيْرُ قَرَابَةٍ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ كَانَ عَرَبِيًّا وَالرَّقِيقُ عَجَمٌ وَعَلِمْت أَنَّ حُجَّتَنَا وَحُجَّتَك فِي الِاقْتِصَارِ بِالْوَصَايَا عَلَى الثُّلُثِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ دُونَ حَدِيثِ سَعْدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيِّنٍ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَكَيْفَ ثَبَتْنَاهُ حَتَّى أَصَّلْنَا مِنْهُ هَذِهِ الْأُصُولَ وَغَيْرَهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهِ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا ثُمَّ صِرْت إلَى خِلاَفِ شَيْءٍ مِنْهُ بِلاَ خَبَرٍ مُخَالِفٍ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ عَطِيَّةَ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ‏}‏ فَإِنْ كَانَ حَيْثُ عِمْرَانُ ثَابِتًا فَقَدْ خَالَفْته وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ فَلاَ حُجَّةَ لَك فِيهِ وَلَكِنَّك وَإِيَّاهُ مَحْجُوجَانِ بِهِ قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ يُعْتَقُ سِتَّةٌ يُعْتَقُ اثْنَانِ وَيُرَقُّ أَرْبَعَةٌ‏؟‏ قُلْت كَمَا يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا أَوْ رَقِيقًا لَهُ ثُلُثُهُمْ فَيَقْتَسِمُونَ فَيَنْفُذُ لِلْمُعْطِي بِالْوَصِيَّةِ ثُلُثُهُمْ وَيُعْطِي الْوَرَثَةَ ثُلُثَيْهِمْ فَلَمَّا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ مَالَهُ وَلِغَيْرِهِ جَمِيعًا أَعْتَقْنَا مَالَهُ فِي بَعْضِهِمْ وَلَمْ نُعْتِقْ مَالَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قُلْت لَهُ كَيْفَ قَوْلُك فِي حَدِيثٍ نُثْبِتُهُ نَحْنُ وَأَنْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَنَا وَعِنْدَك غَيْرَ وَاسِعٍ تَرْكُهُ لِفَرْضِ اللَّه عَلَيْنَا قَبُولَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا أَثْبَتْنَا عَنْهُ شَيْئًا فَالْفَرْضُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ كَمَا عَدَلْنَا وَعَدَلْت فَقُلْنَا فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ وَلَوْ كَانَ حَيًّا كَانَتْ فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مَيِّتًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَكَمَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ فِي جَمِيعِ الْجِنَايَاتِ مَا جَنَى رَجُلٌ فَفِي مَالِهِ إلَّا الْخَطَأَ فِي بَنِي آدَمَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَكَمَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الدِّيَاتِ وَغَيْرِهَا بِالْأَمْرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا الِاتِّبَاعُ وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ قَوْلُك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رضي الله عنه‏:‏ فَقَالَ فَأُكَلِّمُك فِي حَدِيثِ نَافِعٍ قُلْت أَوْ لِلْكَلاَمِ فِيهِ مَوْضِعٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنَّكَ خَلَطْت فِيهِ بَيْنَ حُكْمِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ قُلْت مَا فَعَلْنَا لَقَدْ تَرَكْنَاهُ لِنَفْسِهِ وَكَسْبِهِ كَمَا تَرَكْنَاهُ لِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ مَا قَدَرْنَا فِيهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا كَمَا نَفْعَلُ لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَالَ أَفَتَجْعَلُونَ مَا اكْتَسَبَ فِي يَوْمِهِ لَهُ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ نَعَمْ وَإِنْ مَاتَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْرَارُ قُلْنَا‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ قَالَ فَتُوَرِّثُونَهُمْ مِنْهُ وَلاَ تُوَرِّثُونَهُ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ لَمْ يُخَالِفْنَا مُسْلِمٌ عَلِمْنَاهُ فِي أَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِي الْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ فَلاَ يَرِثُ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَقُلْنَا لاَ يَرِث بِحَالٍ بِإِجْمَاعٍ وَبِأَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ قَالَ أَفَتَجِدُ غَيْرَهُ يُوَرَّثُ وَلاَ يَرِثُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِبَعْضِ حُكْمِ الْحُرِّيَّةِ وَلاَ يُحْكَمُ بِبَعْضٍ‏؟‏ قُلْت نَعَمْ الْجَنِينُ يَسْقُطُ مَيِّتًا يُورَثُ وَلاَ يَرِثُ وَالْمُكَاتَبُ نَحْكُمُ لَهُ فِي مَنْعُ سَيِّدِهِ بَيْعَهُ وَمَالَهُ بِغَيْرِ حُكْمِ الْعَبْدِ وَنَحْكُمُ لَهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْهُ بِحُكْمِ الْعَبْدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَنْ يُعْطِيَ شَرِيكَهُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ وَيَكُونُ حُرًّا أَتَجِدُهُ أَعْتَقَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا بِأَنْ أَعْطَى شَرِيكَهُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ إذَا خَرَجَ نَصِيبُهُ مِنْ يَدَيْهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَك أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَهُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَاسْتَسْعَاهُ أَمَا خَالَفْت رَسُولَ اللَّهِ وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ إذَا أَعْتَقَهُ فَأَخْرَجْته مِنْ مَالِ مَالِكِهِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ دَفَعَهَا إلَيْهِ قَالَ اجْعَلْ الْعَبْدَ يَسْعَى فِيهَا قُلْت فَقَالَ لَك الْعَبْدُ لاَ أَسْعَى فِيهَا إنْ كَانَ الَّذِي أَعْتَقَنِي يُعْتِقُنِي وَإِلَّا لاَ حَاجَةَ لِي فِي السِّعَايَةِ أَمَا ظَلَمْت السَّيِّدَ وَخَالَفْت السُّنَّةَ وَظَلَمْت الْعَبْدَ إذْ جَعَلْت عَلَيْهِ قِيمَةً لَمْ يَجْنِ فِيهَا جِنَايَةً وَلَمْ يَرْضَ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ فَدَخَلَ عَلَيْك مَا تَسْمَعُ مَعَ خِلاَفِك فِيهِ السُّنَّةَ‏.‏

بَابُ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَحْسَبُهُ قَالَ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ ‏{‏وَلاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا عَامٌّ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ يَرْوِي مُسْنَدًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ ‏{‏عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ‏؟‏ فَقَالَ لاَ‏:‏ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَّأَ النَّسَمَةَ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهُمَا فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ‏.‏ قُلْت وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ مَا حَكَيْت ‏{‏وَلاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَلاَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏}‏‏.‏

بَابُ الْخِلاَفِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِكَافِرٍ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ إذَا قَتَلَ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ قَتَلْته بِهِ وَإِذَا قَتَلَ الْمُسْتَأْمَنُ الْكَافِرَ لَمْ أَقْتُلْهُ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْت لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَاوِيلَ جَمَعْتهَا كُلَّهَا جِمَاعُهَا أَنْ قُلْت لِمَنْ قُلْت مِنْهُمْ مَا حُجَّتُك فِي أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ دُونَ الْمُسْتَأْمَنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ رَوَى رَبِيعَةُ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ‏}‏ فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ لَنَا حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَالِفُ هَذَا أَيَكُونُ هَذَا مِمَّا يُثْبِتُ عِنْدَك‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنَّهُ لَمُرْسَلٌ وَمَا نُثْبِتُ الْمُرْسَلَ قُلْت لَوْ كَانَ ثَابِتًا كَيْفَ اسْتَجَزْتَ أَنْ ادَّعَيْت فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَجَعَلْته عَلَى بَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ وَقُلْت لِمَنْ قُلْت‏:‏ مِنْهُمْ أَثَابِتٌ حَدِيثُنَا قَالَ‏:‏ نَعَمْ حَدِيثُ عَلِيٍّ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ لَهُ مَعْنًى غَيْرَ الَّذِي ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ قُلْت‏:‏ وَمَا مَعْنَاهُ‏؟‏ قَالَ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ قُلْت أَيَتَوَهَّمُ أَحَدٌ أَنَّهُ يُقَالُ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ أُمِرَ الْمُؤْمِنُ بِقَتْلِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا قُلْت‏:‏ أَفَتَجِدُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ أَوْ فِي شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي‏؟‏ فَقَالَ أَجِدُهُ فِي غَيْرِهِ قُلْت وَأَيْنَ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي الْحَدِيثِ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ‏}‏ قُلْت أَيَثْبُتُ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِنْ كَانَ حَدَّثَهُ أَيَلْزَمُنَا تَأْوِيلُك لَوْ تَأَوَّلْته بِمَا لاَ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدٍ‏؟‏ قُلْت لاَ يَلْزَمُنَا مِنْهُ شَيْءٌ فَنَحْتَاجُ إلَى مَعْنَاهُ وَلَوْ لَزِمَ مَا كَانَ لَك فِيهِ مِمَّا ذَهَبْت إلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ‏:‏ كَيْفَ قُلْت لَوْ قِيلَ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَنَى غَيْرَ حَرْبِيٍّ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ إلَّا ذُو عَهْدٍ إمَّا عَهْدٌ بِجِزْيَةٍ وَإِمَّا عَهْدٌ بِأَمَانٍ قَالَ‏:‏ أَجَلْ قُلْت‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ وَكِلاَهُمَا حَرَامُ الدَّمِ وَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ دِيَتُهُ وَكَفَّارَةٌ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمْرٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ قَالَ‏:‏ فَمَا مَعْنَاهُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لَوْ كَانَ ثَابِتًا فَكَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لاَ قَوَدَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَهْدِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ وَلاَ يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ قَالَ‏:‏ فَإِنَّا ذَهَبْنَا إلَى أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلاَ يُقْتَلُ بِهِ ذُو عَهْدٍ لَوْ قَتَلَهُ قُلْت‏:‏ أَفَبِدَلاَلَةٍ‏؟‏ فَمَا عَلِمْته جَاءَ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّمَا قُلْنَا قَوْلُنَا بِالْقُرْآنِ قُلْنَا فَاذْكُرْهُ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏}‏ فَأَعْلَمَ اللَّهُ- سُبْحَانَهُ- أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ ظُلْمًا أَنْ يَقْتُلَ قَاتَلَهُ قُلْنَا‏:‏ فَلاَ تَعْدُو وَهَذِهِ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً عَلَى جَمِيعِ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا أَوْ تَكُونَ عَلَى مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا مِمَّنْ فِيهِ الْقَوَدُ مِمَّنْ قَتَلَهُ وَلاَ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهَا خَاصٌّ إلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مَا تَعْدُو أَحَدَ هَذَيْنِ فَقُلْت‏:‏ أَعَنْ أَيِّهِمَا شِئْت قَالَ‏:‏ هِيَ مُطْلَقَةٌ قُلْت‏:‏ أَفَرَأَيْت رَجُلاً قَتَلَ عَبْدَهُ وَلِلْعَبْدِ ابْنٌ حُرٌّ أَيَكُونُ مِمَّنْ قُتِلَ مَظْلُومًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت رَجُلاً قَتَلَ ابْنَهُ وَلِابْنِهِ ابْنٌ بَالِغٌ أَيَكُونُ الِابْنُ الْمَقْتُولُ مِمَّنْ قُتِلَ مَظْلُومًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت أَفَعَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ قَوَدٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت وَلِمَ وَأَنْتَ تَقْتُلُ الْحُرَّ بِالْعَبْدِ الْكَافِرِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَمَّا الرَّجُلُ يَقْتُلُ عَبْدَهُ فَإِنَّ السَّيِّدَ وَلِيُّ دَمِ عَبْدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ هُوَ وَلِيُّ دَمِ ابْنِهِ أَوْ لَهُ فِيهِ وِلاَيَةٌ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يُقْتَلَ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ فَقِيلَ أَفَرَأَيْت رَجُلاً قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ وَلَيْسَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيٌّ غَيْرُهُ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ يَلْقَاهُ بَعْدَ عَشَرَةِ آبَاءٍ أَوْ أَكْثَرَ أَيَكُونُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَقْتُولِ مِنْهُ بِمَا وَصَفْت‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت‏:‏ وَهَذَا الْوَلِيُّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ وِلاَيَةَ لِقَاتِلٍ وَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ وِلاَيَةٌ وَلاَ مِيرَاثَ لَهُ بِحَالٍ‏؟‏ قُلْت‏:‏ فَمَا مَنَعَك مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ عَبْدَهُ وَفِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَمَّا قَتْلُهُ ابْنَهُ فَبِالْحَدِيثِ قِيلَ آلْحَدِيثُ فِيهِ أَثْبَتُ أَمْ الْحَدِيثُ فِي أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ فَقَدْ تَرَكْت الْحَدِيثَ الثَّابِتَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْت لَهُ فَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ عِلَّةٌ فَكَيْفَ لَمْ تَقْتُلْهُ بِالْمُسْتَأْمَنِ مَعَهُ ابْنٌ لَهُ وَلاَ وَلِيَّ لَهُ غَيْرُهُ يَطْلُبُ الْقَوَدَ قَالَ‏:‏ هَذَا حَرْبِيٌّ قُلْت‏:‏ وَهَلْ كَانَ الذِّمِّيُّ إلَّا حَرْبِيًّا فَأَعْطَى الْجِزْيَةَ فَحُرِّمَ دَمُهُ وَكَانَ هَذَا حَرْبِيًّا فَطَلَبَ الْأَمَانَ فَحُرِّمَ دَمُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ آخَرُ مِنْهُمْ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ‏{‏وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قُلْت لَهُ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَتَبَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ هَذَا الْحُكْمَ أَفَحُكْمٌ هُوَ بَيْنَنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قُلْت أَفَرَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ أَيُقْتَلُ بِهِمَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ جَرَحَهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جِرَاحَاتٍ فِيهَا الْقِصَاصُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ يُقَادُ مِنْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قُلْت فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ حُكْمَهُ حَيْثُ حَكَمَ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الْآيَةَ فَعُطِّلَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَحُكْمًا جَامِعًا أَكْثَرَ مِنْهَا وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ فَزَعَمْت أَنَّهُ لاَ يَقْتَصُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْهُ فِي جُرْحٍ وَزَعَمْت أَنَّهُ يَقْتُلُ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَا تُخَالِفُ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَكْثَرَ مِمَّا وَافَقْتهَا فِيهِ إنَّمَا وَافَقْتهَا فِي النَّفْسِ بِالنَّفْسِ ثُمَّ خَالَفْت فِي النَّفْسِ بِالنَّفْسِ فِي ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ وَعَبْدَهُ وَالْمُسْتَأْمَنَ وَلَمْ تَجْعَلْ مِنْ هَذِهِ نَفْسًا بِنَفْسٍ وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ لاَ تُرَاك تَحْتَجُّ بِشَيْءٍ إلَّا تَرَكْته أَوْ تَرَكْت مِنْهُ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ يُقْتَصُّ لِعَبْدٍ مِنْ حُرٍّ وَامْرَأَةٍ مِنْ رَجُلٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَعَقْلُهُمَا أَقَلُّ مِنْ عَقْلِهِ‏؟‏ قُلْت أَوْ تَجْعَلُ الْعَقْلَ دَلِيلاً عَلَى الْقِصَاصِ فَإِذَا اسْتَوَى اقْتَصَصْت وَإِذَا اخْتَلَفَ لَمْ تَقْتَصَّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَأَبِنْ فَقُلْت‏:‏ فَقَدْ يُقْتَلُ الْحُرُّ دِيَتُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ أَلْفُ دِينَارٍ عِنْدَك بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَامْرَأَةٍ دِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ‏:‏ لَيْسَ الْقَوَدُ مِنْ الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ قُلْت‏:‏ فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ‏؟‏ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ إنِّي قَتَلْت الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ‏}‏ قُلْت‏:‏ أَفَكَانَ هَذَا عِنْدَك فِي الْقَوَدِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت فَهَذَا عَلَيْك أَوْ رَأَيْت إنْ ‏{‏قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْلِمِينَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ‏}‏ أَمَا فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ الْكُفَّارِ لاَ تَتَكَافَأُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه‏:‏ فَقَالَ قَائِلٌ قُلْنَا هَذِهِ آيَاتُ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَ الْمُؤْمِنَ يُقْتَلُ خَطَأً فَجَعَلَ فِيهِ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَكَفَّارَةٌ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُعَاهَدِ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُسْتَأْمَنَ فِيهِ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَكَفَّارَةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَلِمَ لَمْ تَقْتُلْ بِهِ مُسْلِمًا قَتَلَهُ‏.‏

بَابُ جَرْحِ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ‏}‏ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ ‏{‏أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا لِقَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ‏{‏أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَفْسَدَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَخَذْنَا بِهِ لِثُبُوتِهِ بِاتِّصَالِهِ وَمَعْرِفَةِ رِجَالِهِ قَالَ وَلاَ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثَ ‏{‏الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ‏}‏ وَلَكِنْ ‏{‏الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ‏}‏ جُمْلَةٌ مِنْ الْكَلاَمِ الْعَامِّ الْمُخْرَجِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ فَلَمَّا قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ‏}‏ وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أَفْسَدَتْ الْعَجْمَاءُ بِشَيْءٍ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَتْ الْعَجْمَاءُ مِنْ جُرْحٍ وَغَيْرِهِ فِي حَالٍ جُبَارٌ وَفِي حَالٍ غَيْرُ جُبَارٍ قَالَ‏:‏ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى أَهْلِ الْعَجْمَاءِ حِفْظُهَا ضَمِنُوا مَا أَصَابَتْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ حِفْظُهَا لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا مِمَّا أَصَابَتْ فَيَضْمَنُ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ السَّائِمَةِ بِاللَّيْلِ مَا أَصَابَتْ مِنْ زَرْعٍ وَلاَ يَضْمَنُونَهُ بِالنَّهَارِ وَيَضْمَنُ الْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ حِفْظَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلاَ يَضْمَنُونَ لَوْ انْفَلَتَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا الْحَدِيثَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ‏}‏ وَذَكَرَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا فَخَطَبَهَا عَلَى أُسَامَةَ وَتَزَوَّجَتْهُ فَأَحَاطَ الْعِلْمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ فِي حَالٍ يَخْطُبُ هُوَ فِيهَا وَحَدِيثُ ‏{‏جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ‏}‏ مُطْلَقٌ وَجَرْحُهَا إفْسَادُهَا فِي حَالٍ يُقْضَى فِيهِ عَلَى رَبِّ الْعَجْمَاءِ بِفَسَادِهَا وَمِثْلُهُ ‏{‏نَهْيُهُ عليه الصلاة والسلام عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ‏}‏ جُمْلَةً وَهُوَ يَأْمُرُ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا وَلاَ يَمْنَعُ مَنْ طَافَ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ‏.‏

بَابُ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي عَلَيْهَا دَلاَلَةٌ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَتَدَارَكَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ فَخَرَجَ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْطَلَقْنَا لاَ نَعْرِفُ إلَّا الْحَجَّ وَلَهُ خَرَجْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَلَمَّا طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَلَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إحْرَامِهِ حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ‏:‏ ‏{‏خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلاَ نُرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْت مَا هَذَا‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ‏}‏ قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ‏:‏ أَتَتْك بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا طَاوُسًا يَقُولُ ‏{‏خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يُسَمِّي حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَكِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَسُقْت هَدْيِي فَلَيْسَ لِي مَحِلٌّ إلَّا مَحِلِّي هَذَا فَقَامَ إلَيْهِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ أَعُمْرَتُنَا لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ بَلْ لِلْأَبَدِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَدَخَلَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَا أَهْلَلْت‏؟‏ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَبَّيْكَ إهْلاَلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْآخَرُ لَبَّيْكَ حَجَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ مِمَّا وَصَفْت مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ شَيْءٌ أَحْرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّفِقًا مِنْ وَجْهٍ أَوْ مُخْتَلِفًا مِنْ وَجْهٍ لاَ يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى الْغَلَطِ بِاخْتِلاَفٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَنْ قَالَ قَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَمُّ مِمَّنْ قَالَ كَانَ ابْتِدَاءُ إحْرَامِهِ حَجًّا لاَ عُمْرَةً مَعَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً قَالَ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ الِاخْتِلاَفُ فِي هَذَا مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِمَّا حُمِلَ مِنْ الِاخْتِلاَفِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا قِيلَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ كَانَ لَهُ وَاسِعًا لِأَنَّ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ ثُمَّ مَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَإِفْرَادَ الْحَجِّ وَالْقِرَانِ وَاسِعٌ كُلُّهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَشْبَهُ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فِي حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لاَ يُسَمِّي حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً‏}‏ وَطَاوُسٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مُحْرِمًا يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ‏}‏ لِأَنَّ رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ قَاسِمٍ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ تُوَافِقُ رِوَايَتَهُ وَهَؤُلاَءِ تَقَصَّوْا الْحَدِيثَ، وَمَنْ قَالَ أَفْرَدَ الْحَجَّ فَيُشْبِهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ عَلَى مَا يَعْرِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَحَدًا لاَ يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى حَجٍّ إلَّا وَقَدْ ابْتَدَأَ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَحْسَبُ أَنَّ عُرْوَةَ حِينَ حَدَّثَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ بِحَجٍّ‏}‏ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجِّهِ وَذَكَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فَفَعَلْت فِي عُمْرَتِي كَذَا لاَ أَنَّهُ خَالَفَ خِلاَفًا بَيِّنًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ وَمِنَّا مَنْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَرَنَ الصَّبِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فَقَالَ لَهُ‏:‏ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّك قِيلَ لَهُ حُكِيَ لَهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَالاَ لَهُ هَذَا أَضَلُّ مِنْ جُمْلَةٍ، فَقَالَ هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك إنَّ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكَ أَنَّ الْقِرَانَ وَالْإِفْرَادَ وَالْعُمْرَةَ هَدْيٌ لاَ ضَلاَلٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا دَلَّ عَلَى هَذَا‏؟‏ قِيلَ‏:‏ أَمَرَ عُمَرُ بِأَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهُوَ لاَ يَأْمُرُ إلَّا بِمَا يَسَعُ وَيَجُوزُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ مَا يُخَالِفُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِفْرَادَهُ الْحَجَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قِيلَ فَمَا ‏{‏قَوْلُ حَفْصَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك‏}‏‏؟‏ قِيلَ‏:‏ أَكْثَرُ النَّاسِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَكَانَتْ حَفْصَةُ مَعَهُمْ فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا إحْرَامَهُمْ عُمْرَةً وَيَحِلُّوا فَقَالَتْ لِمَ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِك‏؟‏ تَعْنِي مِنْ إحْرَامِك الَّذِي ابْتَدَأْته وَهُمْ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ عليه السلام ‏{‏لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ بُدْنِي‏}‏ يَعْنِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَتَّى يَحِلَّ الْحَاجُّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ نَزَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ إحْرَامَهُ حَجًّا، وَهَذَا مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي تَكَادُ تَعْرِفُ مَا الْجَوَابُ فِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَطَاوُسٍ دُونَ حَدِيثِ مَنْ قَالَ قَرَنَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ وَقُرْبِ عَائِشَةَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلِ حِفْظِهَا عَنْهُ وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنْهُ وَلِأَنَّ مَنْ وَصَفَ انْتِظَارَ النَّبِيِّ عليه السلام الْقَضَاءَ إذْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ نُزُولِ فَرْضِ الْحَجِّ قَبْلَ حَجَّتِهِ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ طَلَبَ الِاخْتِيَارَ فِيمَا وَسِعَ لَهُ فِيهِ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَفِظَ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَبَى فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَانْتَظَرَ الْقَضَاءَ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ حَفِظَ عَنْهُ فِي غَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

‏.‏

‏.‏

19‏.‏

‏.‏